الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وسقط أردوغان تركيا في المستنقع السوري


الكثير من الأطراف راهنت على استمرارية بقائها بالقضاء على سوريا وتقسيمها وفق مشيئتها ومخططاتها وأجنداتها، واستخدمت في ذلك عصاها التي ظنت في قرار نفسها أنه سحرية وستحولها إلى أفعى تلتهم ما حولها، حتى اعتقدت هذه الأطراف أنها ليست سوى امتداد لموسى وجاءت تُهدي فرعون للطريق الصواب، ناسية أنها قد تفرعنت أكثر من فرعون بحد ذاته، وأرادت من ذلك خداع الشعوب بنظامها الذي ستطبقه على أنه الأفضل.

ومن هذه الأطراف هي أردوغان تركيا الذي حمل عصاه وراح يُسدي المعرفة والنصائح لمستبد في كيفية التعامل مع الشعوب، ناسيًا نفسه أنه دكتاتور أكثر ممن حوله وأنه لا ترف له جفنٍ لقتل شعبه من أجل سلطته ساديته التي خلفت نازية هتلر وراءها.

بعد سنوات ثمانٍ مرت على سوريا وبعد الخراب والدمار الذي حلَّ بها وعلى الشعب السوري بكل أطيافه، ها نحن نرى كيف أن السحر انقلب على الذي ظنَّ نفسه يومًا ما أنه الساحر، الحليف والداعم الأول لمعظم التيارات المتطرفة والارهابية في سوريا والذي أراد استخدامها كأداة لتحقيق مآربه، ها هو الآن يستغيث كي يخلص نفسه فيما فعلت يداه على الجغرافيا السورية. 

أردوغان الذي كان يصرخ قيامًا وقعودًا، ليلًا ونهارًا، و"ع الطالعة والنازلة" كما يقول المثل، نراه الآن في أوهن حالاته يترنح يمنة ويسرة ولا من مستجيب، يمنة نحو الثور الأمريكي والحليف والسيد القديم علَّه يجنبه الهلاك، ويسرة نحو الدب الداشر الروسي الحليف والسيد الجديد علَّه ينجيه مما أقدمت يداه في سوريا، فلا هذا ولا ذاك يرغب في تبني "أردوغان" الولد والعبد غير الشرعي لنظام الحداثة الرأسمالية التي لا همَّ لها سوى مصالحها هي وفقط.

إنها بداية الغيث والقطرة التي ستقصم ظهر نظام العثمنة الذي يسعى أردوغان لإحيائه من جديد على حساب مطامع ومصالح القوى الرأسمالية بشقيها الغربي (أمريكا، إنكلترا، فرنسا، هولندا وألمانيا)، والشرقي (روسيا، الصين، كوريا الشمالية وباكستان). نسيَّ الوليد غير الشرعي أنَّ الذين اتوا به إلى سدة الحكم هم فقط الذين سيزيلونه كما فعلوا بالذين من قبله، لكن أين الذين يتعظون مما يدور من حولهم أو من التاريخ.

الطامة الكبرى هي أنَّ معظم الحكام المستبدين حينما تصيبهم لعنة "تأليه الذات" يصدقون أنفسهم بأنهم قد أصبحوا (فراعنة أو نماردة) عصرهم وأن الشعوب ليس عليها سوى الطاعة العمياء وتنفيذ ما يرغب وما تمليه عليه الآلهة التي سقط القناع منها وتحولوا إلى ملوك عراة والكل يضحك عليهم ويصفقون لهم حتى يظنون أن الشعوب تصفق لهم على ذكائهم وليس العكس.

الكثير من المستبدين الذين جعلوا من ذاتهم مركز الكون ومحوره وفرضوا على الشعوب الطاعة تحت مسمى الدين والآلهة وأنهم سيحررون القدس، إلا أنَّ معظمهم إن لم يكن جلَّهم ذهبوا ولم يتبق من ذكراهم سوى اللعنة، لكن الشعوب بقيت وما زالت مستمرة في مقاومتها طغيان كل من تسول له نفسه أن يقلد السابقون.

سيذهب أردوغان وغيره من الملوك العراة وكذلك زبانيته من داعش والنصرة وغيرها من الأسماء التي أرادت يوما ما أن تعيد التاريخ من جديد إلى مرحلة العبيد والقرون الوسطى، وسقط أردوغان تركيا في المستنقع السوري، تناسى أردوغان من لف معه أننا في القرن الحادي والعشرين وهو عصر الشعوب التواقة للكرامة والحرية، وأنه عصر المعرفة والعلوم الإنسانية والمجتمعية التي تحدت وستتحدى دوجمائية رجال العصور الوسطى وكذلك محاكم التفتيش وسطوة الكنائس والآن المساجد لخدمة رجال الدين والمعممين.

بدأت ثورات الشعوب زورًا من أمام الجوامع مثلما حصل في تونس ومصر وليبيا والعراق وسوريا، وكأنهم يريدون ارسال رسالة مفادها أنَّ الحل يكمن هنا، لكنهم تناسوا أن الشعوب والمجتمعات بدأت قبل هذه الأماكن وأن أرض الله كلها مقدسة وليست في بقعة محددة. فالذي يقتل الإنسان في كل مكان ويأتي للمسجد أو الكنيسة ويبرئ ذمته مما اقترفت يداه، ما هو إلا دجال ومنافق وأراد سرقة مقاومة الشعوب واستغلالها ووضعها في خدمته لتنفيذ أجنداته، فها هو الشعب ثانية يثور على أصحاب العمائم والجلابيب في العراق وسوريا وغيرها من المناطق ولكن هذه المرة ليس من أمام الأماكن المقدسة بل من كل حدب وشارع.

سقط المشروع السني الذي أراد أن يتزعمه أردوغان الخليفة المفترض والمنافق وكذلك سقط المشروع الشيعي الذي أرادت أن تتزعمه المرجعيات وما سمي ولاية الفقيه في قم، وما أكثرهم. سقطت المذابح التي استمرت لأكثر من اربعة عشر قرنًا والتي بدأت من صراع السلطة في معركة صفين والجمل، وها نحن نعيش آخر فصولها الكوميدية.
انتصرت الشعوب التي تبحث عن حريتها وكرامتها في وحدتها المجتمعية والتي تسعى لبناء مجتمعها السياسي والأخلاقي وفق أن الوحدة والاتحاد أساسه الاختلاف وليس التناحر. أمة تتعايش مع بعضها البعض بشكل ديمقراطي بعيدًا عن التناحر المذهبي والقومي. أساسه أخوة الشعوب والعيش المشترك.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط