الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ماكرون فى مصر


عزيزي ماكرون تحية طيبة وبعد:

حللت أهلًا ونزلت سهلًا في ضيافةِ شعبِنا المضيافِ الكريم، نتمني أن تكون بلادِنا قَد حازت علي إعجابك، وَمِن المؤكَد أنك لم تشعر بأي غربة أثناء إقامتك معنا، فآثارنا منهوبة في متاحفِكم ومسَلّتنا شاهدة علي ما يَحْدُث في بلادكم، وحجر رشيد في جحوركم ليحكي عنّا تاريخ حضارتنا في عصورِ ظلامكم.

سيّدِي الرئيس أو فخامة الرئيس كمّا لقبَك الرئيس السيسي، ذلك الرئيس الذي وصفته بأنه آكل حقوق الإنسانية، وعدو البشرية، والمفتري علي النشطاء الذين يقتاتون علي المواقِع الإلكترونية!

أتدري لا يشغلني أبدًا سر نصيحتك "الغالية" عن حقوق الإنسان في هذا التوقيت وفِي تلك الأثناء، فلا يخفي علي أَحَد سياسة "خدوهُم بالصوت" التي أتبعتها معنا نِكايةً في غيرِنا! فربما كانت محاولة غزل وتودد بإرسال رسالة غير مباشرة لذَوي "السترات الصفراء" المحتشدين كُل سبت علي مدي أسابيعٍ طويلة يطالبون برحيلك، وأصدقك قولًا لا أدري أين احترام حقوق الإنسان وأنت جاثم علي صدورهِم أليس من أبسط حقوق الإنسان مراعاة شعور أخواتك في الإنسانية حتي وإن كانوا أقلية ! أليس هذا منظوركم الغربي للديمقراطية التي يجب أن تطبق في البلاد العربية! فلم لا تبدأون بأنفسكم؟

وبغِض النظر عن محاولاتك البائسة في قرعِ طبولِ الحرّيات لجمع "نقوط" المِثاليات، ففي ذلك الإطار يباغتني سؤال ماذا تم مع مئات الموقوفين في الحبس الاحتياطي مِن مَن تم القبض عليهم في المُظاهرات التي شهدتها دولتكم المصون؟

سيّدِي الرئيس "ماكرون" أتقدم لك بخالص عزائي في ضحايا المظاهرات الفرنسية الذين توفوا نتيجة لخطأ ( بشري) وليس بخطأ ( شرّطِي) بحسب تصريحاتكم، ولكن أُعذُر جهلي وقلة خبرتي أيمكِن لدولة لها باع وذراع في حقوقِ الإنسانية أن تُصْدِر كتالوج مُلوَن لأنواع القتل المُخْتَلِفةِ، وتوضح أهم الفروق اللولبية في أساليب قتل البشرية والوقوف علي المبررات السوية التي تخرجك من الاتهامات كالشعرة من المهلبية!

سيّدِي الرئيس ربما ما أربَك مشاعِرَك المُرهفة هو قانون الطوارئ المُعلن في البلاد ؟ أقصِد بلادنا وما شأني لأتحدَث في شؤون بلادكم التي تطبِق قانون الطوارئ دُونَ أن تتأذي أحاسيسك الرقيقة اللتي لا تتحرك إلا لما يُحدُث في مِصرِنا؟ فبالرغم أن كلًا مِنا يعاني من الأرهاب الديني إلا أنه يحق لكم ولا يحق لنا ! 

حتي مع وجود بؤرة مُلتهبة في سيناء مِصْر يتصدي لها جيشنا في معركةٍ مُقدرّة علي جبين سادة الرِّجَال، رجال قواتنا الباسلة لتتصدي لخطر كاد أن يفتِك بالأخضر واليابس في وطنِنا.

سيّدِي الرئيس الفرنسي أسمح لي بأن أتغزَل في شعار دولتكم العريقة رمز الديمقراطية في الأوساط الدولية !وهو "حرية مساواة إخاء" ولكني أشعُر ببعض الغباء فضلًا لا تنزعج منه! 

فلقد عجزت عن فَهم الأوضاع السيئة للمهاجرين والمتدنية للاجئين ولا أدري أين هي حقوق الإنسان من هؤلاء وما سبب عدم وجودهم تحتَ مظلّةِ الشعارات البرّاقة الحرية والمساواة والإخاء؟

"ماكرون" العزيز مع حِفظ لقبك اللذيذ! هل يمكنني أن أنهَل من عِلمِك الغزير وأعرف رأيك فيما قاله "ديفيد كاميرون" منذ سنواتٍ قليلة تحتَ مرأي ومسمَع وموافقة وزيرة داخليته في ذلك الوقت "تيريزا ماي" عن ذهابِ حقوقِ الإنسانِ للجحيم عندما تتعلقُ بأمن الْوَطَن واستقراره!

سيّد ماكرون دَلوت بدلوِك الكريم عن بعضِ الأسماءِ التي سلمتها للرئيس السيسي أثناء زيارته لك، قائمة من المخطوفين المعذبين والمنتهكة حقوقهم الإجرامية! يقتلني فضولي لأعرف ما سِر إهتمامك بتلكِ القائمة دُونَ غيرها هل هؤلاء المحظوظين بدعمَك السامي أولاد تسعة وباقيهم أولاد ثمانية ونصف؟

ماكرون الغالي لن أُعيد علي مسامعك ما لم يُطربَك مِن ما ردده الرئيس السيسي عن حقوق الإنسان التي مُنحَت في عهدِه، وسأتتركك تتجاهلها عمدًا بينما هي الحق الأصيل للإنسانية، الحق في المَسكن والملبس والمأكل، فالقتل علي الهوية والسب المتدني للعيش والعِيشة والتحريض الفكري ضد من يعيش فيها ، كما تعلمنا في دولتنا النامية إقتصاديًا والمتنامية ثقافيًا ليسوا جزءًا من الحرية ، فربما هذا من "سرو" بلادكم ولٰكنه ليس مقبولًا في أعرافِنا!

مُدوِن أو ناشِط، قَدْ يُطلق عليه حقوقي وقد يحمل أسم شهرة دسوقي لا يُهم، ما يعنينا لمَ تم القبض عليه أو اعتقاله بحسب تعبيركم الجزافي، ماذا قدمت يداه لهذا الوطن، فهل من الممكن يا نصير نشطاء الحرية وضمير شمطاء العدل والإنسانية أن تكتُب علي ظهر قائمتك أنواع الاتهامات الموجهة إليهم؟

سيّدِي الرئيس الماكروني لن أشغلك بتفاصيل حياتي الإجتماعية ولكني سآطلعَك علي بعضِ تفاصيلي الحياتية لتضمن أن شهادتي حيادية !

فأنا أعمل في تليفزيون الدولة الرسمي الذي كان يومًا معقل للأخوان سواء بالعقيدة، أو المتعاطفين لضمان البَدَلّات العريقة، ولَم أسمع عن أي سوء مَسهم من بعيدٍ أو قريب، ولي أصدقاء علي مواقِع التواصل الإلكتروني المخُتلفة تتفاوت أهوائهم كما ألسنتهم ولَم أري أحدهم قد أختفي أو أُعتقل أو تم إيداعه لأم رِجل مسلوخَة!! كلهم بخير أحياء يُرزقون يسبون ويلعنون بمنتهي الأريحية كلماتهم تفوح ببذاءةٍ شبابية لكل من تسول له نفسه بأن يشكُر في الدولة أو يُكَشِر لها!

ماكرون يا سُكر يا ملك صناعة مشتقات السُكّر! سأعارض رئيسي المِصري من قلبه وحتي أذنيه وسأجعلك شاهدًا علي هذا الإختلاف فإذا قُدِرَ لاعتراضي أن يكون محل شقائي! فلا تنسي أن أكون محل اهتمامك وأن لا تأخذني غياهِب النسيان مِن بنات أفكارك المزدحمة بحقوق الأنسان مِن إخوانك!

فإني أختلف مع الرئيس السيسي في أنه يري أن مصر ستبني بالجهد وليس بالمُدونين ! فالحضارة المصرية نُقلت إلينا بالتدوين علي المعابِد وأنارت ظلام العالم بالمدونين، فالتدوين قوة ناعمة إذا أُحسن أستخدامه وقوة فتاكة إذا لم ننتبه لخطورته!

السيد رئيس عاصمة النور، في النهاية أتمني لك التوفيق وليتك تتمني لبلادي مثله، فالنور لن يعُم الكون وسط أفكار الظلام التي تهدد حقوق الإنسان أكثر من القنابل والمتفجرات، فمخاطِر السلاح علي كثرتها محدودة!

لأنه لن يصيب إلا صاحب النصيب! ومن طبيعة النفس البشرية أن يخلق لون الدم حاجزًا وثأرًا وكراهية ، أما الأفكار يكفي أن تصبغها بألوان زاهية ستصل أينما شئت بسلاسةٍ مبهرة، لا تأتي لها بل هي تجيد البحث عنك، ولا زالت كُتب سيد قطب وشركائه خير شاهد علي أن رفع الكلمة الباطلة المحرضة لا يقل خطورة عن رفعِ السلاح، كلاهما إرهابٍ أسود لا إنسانية فيه لذا لا مجال لحقوق الإنسان معه! 

وإذا كانت المواجهة الأمنية وحدها غير كافية للقضاء عليه دُونَ أن تتشابك مع المواجهة الفكرية للإرهاب لذا فالتحريض الفكري عن طريق النشطاء والمدونين والمتأسلمين علي قدم المساواة مع الإرهاب الأمني، فهل تستطيع يا عزيزي أن تقل خيرًا أو لتصمُت، لأن من يسكن في بيت من الزجاجِ الفرنسي فليتوقف عن رمي مِصْر بالطوب السياسي!!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط