هل يمتلك ترامب استراتيجيةفي الشرق الأوسط؟
الرئيس الأمريكي يمارس لعبة "الدومينو" في المنطقة بعد انسحابه من سوريا وأفغانستان
الحرب التجارية مع الصين تضغط على الاتحاد الأوروبي لإفشال مشروع الغاز التركي
منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقاليد حكم الولايات المتحدة في يناير 2017، شهدت منطقة الشرق الأوسط تطورات مثيرة تغيرت بها موازين القوى العالمية، سواء كان ذلك بعد قراره التاريخي بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، أو الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، أو حتى مؤخرًا سحب القوات الأمريكية من الأراضي السورية، وقبلها الضربات الجوية الأمريكية داخل سوريا وإعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل بشن ضربات مماثلة، فضلًا عن تعزيز الدعم للميليشياتالكردية بعد انتهاء خلافة تنظيم "داعش" الإرهابي في سوريا والعراق.
كل هذه التطورات حدثت في أقل من عامين من رئاسة ترامب، الذي يتوقع أن يترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2020 فاتحًا بذلك جبهة صراع جديدة مع الحزب الديمقراطي، بعد انتهاء أزمة الإغلاق الحكومي الذي يعد الأطول في تاريخ البلاد، لرفض مجلس النواب-ذو الأغلبية الديمقراطية- تمرير ميزانية الجدار الحدودي مع المكسيك.
مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية نشرت تقريرًا مطولًا بعنوان "هل يمتلك ترامب استراتيجية في الشرق الأوسط"، وصفت من خلاله سياسة الرئيس الأمريكي تجاه المنطقة بأنها "لعبة كبيرة" تشبه إلى حدٍ لعبة "الدومينو"، مشيرةً إلى أن تلك السياسة تشهد في الوقت الراهن تحولًا خطيرا لن يؤثر فقط على الشرق الأوسط بل على الولايات المتحدة أبضًا.
تقول المجلة إن الرئيس الأمريكي يعكف بثبات بطيء على تطبيق سياسته الخارجية التصادمية سواء على الصعيد الدولي، مثل الصين وكوريا الشمالية وتقويض الدور الإيران واحتواء روسيا، ومن قبلهم تركيا في أزمة القس الأمريكي أندرو برونسون الذي اتهمه نظام الرئيس رجب طيب أردوغان بالإرهاب والاشتراك في محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016.
وتؤكد المجلة أن هذه الأهداف ليست منفصلة، أي مثل لعبة "الدومينو"، إذا زعزعت الولايات استقرار بلد واحد فسيكون ذلك تطورًا خطيرًا للدول الأخيرة، لافتة إلى أن الحرب التجارية مع الصين ستتفاقم إلى خسرت الأخيرة كميات هائة من شحنات النفط الرخيص التي كانت تصلها من إيران.
بالتالي سيتعين على بكين البحث عن موردين آخرين وشراء النفط منهم، ما سيؤدي إلى تقليل المزايا التنافسية للسلع الصينية في الأسواق الدولية، ولهذا السبب قررت الصين الشهر الماضي أن تضح استثمارات بثلاثة مليارات دولار لتحديث منشآت تكرير النفط الإيرانية، على الرغم من العقوبات الأميركية التي تردع أي دولة تتعامل مع إيران.
بالتوازي، يشعر ترامب بغبطة كبيرة من عدم قدرة الاتحاد الأوروبي على الاعتماد على إمدادات الغاز الإيرانية، وهو ما سيدفع بطبيعة الحال الكتلة الأوروبية إلى شراء الغاز بسعرٍ أعلى من الولايات المتحدة، في حين تخطط إسرائيل لإمداد الاتحاد الأوروبي بـ30 مليار متر مكعب من الغاز وذلك بحلول 2025.
وبحسب "ناشونال إنترست" فإن هذا المشروع سيمثل صفعة قوية للمشروع التركي للغاز، وهذا بالضبط ما يسعى له الإتحاد الأوروبي لأنه لا يرغب في أن تصبح تركيا موردًا مركزيًا للغاز.
وبالنسبة لروسيا، فإن كسر شوكة إيران سيؤدي إلى إثارة أزمات في جنوب القوقاز والبلاد المطلة على بحر قزوين، إذ أن واشنطن قد تسعى إلى نشر صواريخ متوسطة وقصيرة المدى في تلك البلدان، خاصة بعد انسحابها من معاهدة الصواريخ مع روسيا، وقد تدعو جورجيا القوات الأميركية للدفاع عن حدودها مع إيران المضطربة.
وأشارت المجلة إلى أن هناك مؤشرات كبيرة على أن ترامب يحضر لحملة رئاسية جديدة، ولذلك فهو يحتاج إلى تحقيق نصر عسكري، والأمر كذلك بالنسبة لإعلانه عن نيته سحب قواته من سوريا، وما لذلك من تأثير على الداخل، كما أنّ إسرائيل تؤثر بسياسته في سوريا لا سيما العمل على منع طهران من تأمين ممرّ بري إلى العراق، وصولًا الى سوريا، حتى البحر المتوسط.
وبالفعل بدأ الرئيس الأمريكي في اتباع سياسة جديدة مع إيران وتعزيز موطئ قدم له ضدها، بيد أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قطر ووافق على زيادة عدد القوات في قاعدة العديد العسكرية الأميركية، خلال جولته الأخيرة إلى المنطقة، كما تخطط واشنطن لإرسال خمسة آلاف جندي إلى العراق، وذلك تأكيدًا على تصريحات ترامب بأن وجود قاعدة عسكرية في العراق أمرًا ضروريًا.
وهنا أضافت المجلّة أنّ ترامب يرغب بتطويق إيران وزعزعة استقرارها، وبالفعل انطلقت احتجاجات في إيران بعد فرض العقوبات الأميركية، حتى أنّ الرئيس الإيراني حسن روحاني أقرّ بتأثير العقوبات على بلاده.
وعن أفغانستان أعلن ترامب مؤخرًا أن قواته لن تغادر أفغانستان إلا إذا بعد انقضاء أي أثر لتنظيم "داعش"، وإذا توصلت كابول و"حركة طالبان" إلى اتفاق سلام، وأوضحت المجلة أنّ ترامب لا يبحث عن فرصة لسحب هذه القوات من أفغانستان، إنما يريد زيادة عددهم.