الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

العيب فينا...


هطلت الأمطار على بعض المناطق في القاهرة الكبرى، ولا اكذب حينما أقول إنني من محبي هذا المشهد، إلا إنه تحول بالنسبة لي إلى فيلم كئيب، عانيت فيه من صعوبة التحرك المروري والتي وصلت إلى عدد من الساعات الطويلة، شأني في ذلك شأن نسبة كبيرة من المواطنين، لأستغرق في مسافة لا تتعدى 10 دقائق زمن تجاوز سبع ساعات متصلة في ذات المركبة.

ليتحول المشهد إلى تجسيد حي لفيلم "بين السماء والأرض"، نشأت علاقات بعضها إنساني بين قائدي المركبات ما بين تقديم ما هو متاح من مياه أو بقايا أطعمة بالسيارات، وبعضها تحول إلى العديد من المشاحنات والتجاذب السلبي لأطراف الحديث، والبعض الآخر استسلم للأمر الواقع وترك سيارته في عرض الشارع ليكمل رحلته بالساعات سيرًا على الأقدام، أو جالسًا على جنبات الطريق.

خرجت من تلك التجربة ليتأكد لي الكثير من النقاط، أولها أن الإهمال كفيل بهدم آية إنجازات، نعم قمنا بالكثير والكثير لكن مازال الفساد عالقا بمؤسساتنا. ليتسع بالنسبة لي مفهوم الفساد ليبدأ من صغار الموظفين، ليضم الموظف المتكاسل عن أداء مهامه، والموظف الذي لا يقوم بواجباته من الأساس لكن أمام رؤسائه يرفع شعار "كله تمام"، والموظف الذي لا دور له من الأساس ولكنه متصدرًا للمشهد، والموظف الذي يحترف تضخيم أفعاله ليشعرك بأنه يحمل أعباء العمل على كتفيه وبدونه ستنهار المنظومة، وفي الواقع الامر يختلف، والموظف الذي يتمركز دوره في نقل الأخبار ويعتقد أنه بذلك يحافظ على الكيان المؤسسي للمنظومة، ولكنه في الواقع يخلق روحا سلبية.

وثاني تلك المشاهدات أن هناك نوعا آخر من الأشخاص قد يكون موظفا أو شخصا خارج المنظومة ولكنه في الواقع ينتظر انهيار المنظومة نفسها ولحسن الحظ يمكن اكتشافهم بسهولة، بعضهم تجده يمثل دور الحزن على ما يحدث محاولا التلميح بقدراته على تغيير الأمر الواقع، لعل وعسى يمكن يستعينوا به، والبعض الآخر يعي تماما أنه خارج المنظومة فيغوص في بحر التلميحات الفكاهية على الأداء المؤسسي للدولة.

ونأتي إلى نوع ثالث من المشاهدات، وهو الموظف المحب لوطنه الجاد في عمله، فغالبًا تجده بعيدًا عن المشهد، وغالبًا ما يتم استغلال أفكاره وجهوده ليعلو بها الآخرون، لكن هو يبقى محلك سر، لتتحد ضده جميع الفئات السابق ذكرها ليقسموا جميعًا على عدم صعوده أو ظهوره أمام رؤسائهم، ليحافظوا على بيئتهم الخصبة.

هذا هو حالنا للأسف، لكن تقابله الجهود الكبيرة التي تبذلها الجهات الرقابية لمحاولة اكتشاف العناصر الجيدة، والعناء الأكبر يكون أمام القادة الراغبين في إحداث طفرة اقتصادية لهذا البلد.

لكن تظل قناعتي أنه من رحم المحن تولد المنح، لتتجسد في محاولة التغلب على تلك الآفات المجتمعية التي تعرقل مسيرة التقدم الاقتصادي والجهود المبذولة على كافة الأصعدة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط