الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رضا نايل يكتب: سينما عاطف الطيب تتحدث عني وعنك

الكاتب الصحفي رضا
الكاتب الصحفي رضا نايل

مخرجي المفضل هو عاطف الطيب رحمه الله، أو "نجيب محفوظ السينما المصرية" كما يطلقون عليه، فـ" سينما" عاطف الطيب تتحدث عني وعنك، عن الإنسان العادي، عن البسطاء والمهمشين وخياراتهم الأخلاقية، وكأنه يردد عبر أفلامه مقولة "فيكتور هوجو" في مقدمة الرواية الأشهر عالميًا "البؤساء": ما دام ثمة هلاك اجتماعي، بسبب القانون أو العرف، يخلق ألوانا من الجحيم على الأرض، مادامت مشكلات العصر الثلاث: الحط من قدر الرجل باستغلال جهده، وتحطيم كرامة المرأة بالجوع، وتـقـزيم الطفل بالجهل، لم تحل بعد، ما دام الاختناق الاجتماعي لا يزال ممكنا في بعض البقاع، وبكلمة أعم، ما دام على ظهر البسيطة جهل وبؤس، تكون هناك حاجة إلى كتب من هذا النوع".

وأيضا تكون هناك حاجة لـ "سينما" كـ" سينما" عاطف الطيب، فـ" حورية أو النجمة لبلبة" قد عادت لممارسة أقدم مهنة في التاريخ لليلة واحدة فقط حتى تجمع المال المطلوب لتنكيس منزلها الذي تعيش فيه، وإلا طُردت، ولكنهم يقولون إن "الحرة لا تأكل بثديها" فكيف تأكل إذنًا بالله عليكم؟!

فعندما حاول "جان فالجان" في بؤساء فيكتور هوجو أن يأكل دخل السجن خمس سنوات لأنه سرق رغيف خبر، وفي "بؤساء" مصر قُتل شابُ دهسًا تحت عجلات القطار، وأصيب آخر لأنهما لا يملكان ثمن تذكرة.

وفي فيلمه "سواق الأتوبيس" يدعونا "الطيب" كما يقول الناقد السينمائي الكبير "رؤوف توفيق" لنفتش داخلنا، ونضع أصابعنا على الميكروب الخبيث الذي تسلل إلينا ويفتك بنا، فالفيلم يبدأ بحادثة نشل داخل أحد الأتوبيسات، وينتهي أيضا بحادثة نشل داخل نفس الأتوبيس، ولكن موقف السائق "حسن سلطان أو نور الشريف" يتغير ما بين البداية والنهاية، ففي أول الفيلم يهم حسن بمطاردة السارق، ولكنه يتراجع ويعود إلى مقعده، وفي آخره يصبح أكثر جرأة وقوة ويطارد النشال حتى يراوغه بمطواة، ولكن "نور الشريف" يكسر كل حواجز الخوف ويقتحم الخطر، وبكل مرارة وألم وغيظ يصفع النشال هو يلعنه صراخا "يا ولاد الكلب.. يا ولاد الكلب".

فالنشال رمز للذين يسرقون حياتنا، ويجهضون أحلامنا، بعد أن حولوا الحياة إلى أرباح وخسائر، إلى أرصدة في البنوك، إلى مصالح شخصية.

ولكن كيف وصلنا إلى هذا؟!

في إحدى حلقات برنامج "أمسية ثقافية" الذي كان يقدمه الشاعر الكبير الراحل فاروق شوشة يحكي أنه استضاف شيخ التربويين العرب الدكتور "حامد عمار" الذي وصف التحولات التي حدثت في الشخصية المصرية بعد يوليو 52:

بأن ما حدث يوم 23 يوليو 52 أنتج شخصية " الفهلوي" الذي يمتلك بعض الذكاء وبعض خفة الظل والحيلة، وتحول في عصر الانفتاح إلى "الهبّاش" الذي يخطف كل شيء، ويبتلع كل شيء، كل أرض فضاء تحرضه على الهبش والسرقة ووضع اليد، كل شبر في الصحراء يخايله ليجعل منه مستعمرة ومنتجعًا يُدرّ عليه الملايين، كل الصفقات المشبوهة يقوم بها جهارًا وتودع تحويلاتها في بنوك خارج مصر، التهريب شعاره، وخيانة الوطن ديْدنه، والإيغال في أحشاء مصر تمزيقًا وتقطيعًا هوايته.

ويضيف "شوشة": حين انتقلنا إلى الحديث عن «التعليم» راح يشير إلى بعض المستثمرين في مجال التعليم وعينهم على الكسب الفاحش والثراء السريع وتحقيق أقصى قدر من الأرباح، سواء كان ما يتبنونه رياضًا للأطفال مصروفاتها بالألوف، أو جامعات خاصة مصروفاتها بعشرات الألوف.. وبين روضة الأطفال والجامعة ينتشر هؤلاء «الهبّاشون» في كل ربوع مصر، عيونهم على الغنيمة التي سيسقطون عليها، وقلوبهم يحرّكها حساب الأرباح والعائد الذي سيدر عليهم الملايين، ثم وقعنا نحن الآن في قبضة شخصية "البلطجي"، الذي تعبر عنها بوضح جلي كالشمس سينما "آل السبكي".

فنحن نعيش ما بين الفهلوي والهباش والبلطجي، ولكننا لا نستطيع أن نصرخ كما في سينما عاطف الطيب مثل حسن سواق الأتوبيس قائلين: يا ولاد الكلب