الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أحمد شيخو يكتب: إدلب

صدى البلد

بات معروفًا وبدون أدنى شك أن تركيا وإيران
وإسرائيل هم أكثر الدول الإقليمية التي تمتلك مشاريع  الهيمنة والرغبة في التحكم واستغلال شعوب المنطقة
ودولها وهم يترصدون و يتدخلون في أي محاولة من شعوب المنطقة لتحقيق مزيد من الحرية
والديمقراطية والعدالة فهم يعتبرون أي تغير وخصوصًا في الأوضاع الراهنة للشعبين العربي
والكردي سيكون على حساب مصالحهم ومشاريعهم التمددية واستراتيجياتهم المناهضة لقيم التعايش
المشترك الحضارية والتاريخية لشعوب المنطقة، بالإضافة إلى تبعية هذه القوى الثلاث وتنفيذهم
لأجندة ومصالح النظام العالمي المهيمن وإن بأشكال وأثواب مختلفة متجاهلة ثقافة وإرادة
المجتمعات .



ويتجسد ما ذكرنا في سوريا بشكل واضح . حيث
أنه وبعد 15 آذار عام 2011 وقيام الحالة الشعبية المطلبية والثورية المحقة والمطالبة
بتحقيق مزيد من الحرية والديمقراطية والتخلص من سيطرة وسطوة الأجهزة الأمنية القمعية
التي كانت تحكم سوريا فعليًا بدلًا من المؤسسات والدستور ، عندها لم يستطيع النظام
استيعاب مطالب الناس وظل يعيش في برجه العاجي البعيد عن مطالب المجتمع ومصرًا على ذهنيته
البعثية القوموية الاحادية والاقصائية.



 واثناء اشتداء الأزمة وإطالة أمدها ومحاولة الأخوان
وقوى الاسلام السياسي ركوب الموجة مدعومًا من تركيا الأردوغلانية اختلط الحابل بالنابل
ووجدت تركيا في الأزمة السورية فرصةً للتدخل والتمدد عبر بناء مجموعات مسلحة وسياسية
تابعة له لتمرير أجندته و مشاريعه وكلنا يتذكر انعقاد المؤتمرات الأولى في تركيا لما
يسمى المجلس الوطني السوري الذي كان تنظيمًا لإخوان المسلمين السوريين بيد الإستخبارات
الأردوغانية، وتكرر ذالك بعدها حتى وصلنا لما يسمى الائتلاف الوطني السوري الذي هو
الاشتقاق الثاني أو الثالث للإخوان في سوريا على يد أردوغان كثورة مضادة ضد مطالب و
ارادة السوريين بعربه وكرده وباقي مكوناته.



بعد التدخل التركي في الأشهر الأولى للأزمة
السورية وجدت إيران أيضًا بحلول عام 2013 مبررًا وطريقًا واسعًا للتدخل عبر البوابة
الشيعية والعلوية وعبر حكومة النظام السوري ودعوتها، ولكن دعم تركيا وقطر وتمويلها
لكافة المجموعات الأرهابية والمتطرفة للسيطرة على الحراك السوري ولإسقاط النظام وقيام
سلطة أخوانية والسيطرة على كل سوريا ، وجدت إيران أنها غير قادرة وحدها على حماية بقاء
النظام السوري بالرغم من جلبها حزب الله اللبناني والمجموعات الشيعية التابعة لها من
العراق وافغانستان ، فطلبت التدخل الروسي عام 2015.



الجدير بالذكر أنه في نهاية عام 2014 وبأمر
وبتحريض من تركيا هاجمت  إحدى الأدوات الأردوغانية
وهم مرتزقة داعش على الشعب العربي في شمال وغرب العراق وشرق سوريا وبعدها قاموا بالهجوم
على المناطق الكردية في شنكال(سنجار) بالعراق وكوباني في سوريا بتوجيهٍ من أردوغان
وحزبه ونظرًا لبسالة ومقاومة المقاتلين الكرد في مدينة كوباني ضد داعش تدخل المجتمع
الدولي ممثلة بالتحالف الدولي لمحاربة داعش لمساندة المقاومين في مدينة كوباني وبدأ  تحطيم إحدى الادوات الرئيسية للعثمانية الجديدة  وهم مرتزقة داعش الذي جلبهم تركيا من كل اصقاع العالم  لخلق الفتنة وضرب القيم الإسلامية وزيادة عدم الاستقرار
والتقاتل بين شعوب المنطقة لكي يتدخل هو ويعيد ميثاقه الملي على أقل تقدير.



وعندها أصبح التركي والايراني والروسي بالرغم
من اختلاف استراتيجياتهم ومشاريهم التوسعية امام معادلة جديدة نتيجة الحالة المتشكلة
في شمال سوريا والتي يعبر عنها مشروع مجلس سوريا الديمقراطية والادارة الذاتية والتي
تعكس الإرادة السورية الوطنية وتجمع كل مكونات سوريا بعربها وكردها وسريان أشوريها
وغيرهم وتستند الى العمق العربي والكردي  كبعد
استراتيجي لها  وكجبهة شمالية لحماية الأمن  القومي العربي لمختلف الدول العربية ضد التدخلات
التركية والايرانية بالمنطقة.



وهذا ما جعل تركيا الأردوغانية في حيرة
من أمرها وأن يصيبها الذهول والاضطراب مما جعلها بعد حادثة سقوط الطائرة  تتوسل روسيا وتطلب الصفح بعد الصفعات والرسائل التي
أرسلها الروس عبر تشهير تجارة أردوغان النفطية مع داعش و العقوبات الاقتصادية على المنتوجات
الزراعية التركية وبعد مساعدة جيش الثوار وجبهة الأكراد  المنضوين تحت راية قوات سوريا الديمقراطية في تحرير
الشهباء و تل رفعت  من أدوات أردوغان ومرتزقته.



وبعد هذه الرسائل الروسية وتدخل التحالف
الدولي لمحاربة داعش الى جانب قوات سوريا الديمقرطية أختارت تركيا ان تكيّف تدخلها
مع الاوضاع الجديدة واختارت الذهاب مع إيران وروسيا في محور آستانة وتعهدت بالقضاء
على ماتبقى من الثورة السورية مقابل السماح لها بالتدخل في شمال سوريا واحتلالها  وقامت الى التحالف الدولي وعلى رأسها أمريكا وادعت
أنها سوف تحارب داعش مع علم الجميع بعلاقتها بداعش وعلى أثر التواطؤ من قبل محور آستانة
وأستغلال وجودها في الناتو، سمح لها باحتلال مدينة جرابلس عام 2016 علما أنها قامت
بذالك بعد فترة قصيرة من تحرير مدينة منبج وريفها من قبل  قوات قسد وقوات المجلس العسكري لمدينة منبج وريفها
وهذا يؤكد بدون أدنى شك  أنها تدخلت لإضعاف
الإرادة السورية الوطنية الممثلة بمشروع مجلس وقوات سوريا الديمقراطية وسد الطريق أمامهم
لتحرير الأراضي السورية من المرتزقة وداعش وبناء سوريا الديمقراطية الموحدة.



وبعد تحرير مدينة الرقة عام 2017عاصمة الخلافة
المزعومة وهزيمة مشروع العثمانية الجديدة عن طريق الوكلاء، تألمت تركيا هذه المرة كثيرًا
من هذه الصفعة والضربة وذهبت لبيع جغرافيتها والجيوستراتيجية التركية لروسيا مقابل
السماح لها بضرب الكرد واحتلال مدنهم وتهجيرهم في سوريا إنتقامًا منهم لكونهم القوة
الضاربة في قوات سوريا الديمقراطية التي حررت مدينة الرقة والتي أفشلت مشروع أردوغان
في سوريا، وقام أردوغان على أثرها بشراء س 400 والسماح لروسيا بالتغلغل في تركيا اقتصاديًا
وأمنيًا وكذالك الاطلاع على بعض من أسرار حلف الناتو وبناء خط الغاز الى أوربا لتقوية
النفوذ الروسي مقابل الأمريكي وبناء محطة أكويو للطاقة النووية, بالإضافة الى تعهدها
لإيران بعدم الالتزام بالعقوبات الامريكية الأقتصادية وحصار إيران من قبل المنظومة
الدولية. على أثرها وبعد اسكات الأوربيين بموضوع الاجئيين وارسال الدواعش بينهم الى
أوربا والتوافق مع الرئيس ترامب وجزء من ادارته وبدون وجه حق تم إحتلال عفرين في حرب
غير متكافئة وبعد مقاومة بطولية لأهلها وقوات وحدات  حماية الشعب والمراة مدة 58 يومًا وعلى أثرها تم
تهجير أهل عفرين من قبل الجيش التركي المحتل ومرتزقته وممارسة التطهير العرقي والتهجير
بحق الكرد السوريين وتوطين المرتزقة وأهلهم .



وفي هذا الأثناء استعادة الحكومة السورية
وبدعم إيراني وروسي اغلب المناطق التي كانت خارج سيطرتها في غرب الفرات حوالي دمشق  وحمص ودرعا وتم إرسال من يرفض المصالحات والاستسلام
الى محافظة إدلب وحواليها .



لقد تم عقد اتفاقية استاتة بين روسيا وتركيا
وايران عام 2017 وعلى أثرها أقامت تركيا 12 نقطة عسكرية. وفي عام 2018 تم عقد اتفاقية
سوتشي حول إدلب وأرياف حلب وحماه واللاذقية، خرج قسم منها للاعلام يتضمن خروج  وتراجع المجموعات الارهابية 20 كيلومتروتحقيق تسوية
على مراحل . يقال إن تركيا تعهدت حينها بتسليم إدلب كاملة في النهاية الى النظام السوري
والبقاء لمدة مؤقتة في مناطق شمال سوريا المحتلة بتوافقات دولية وإقليمية ولكن تركيا
ومع هذه التأكيدات لروسيا كانت تحاول الاستفادة من كونها عضوة في حلف الناتو ولعلاقتها
التجارية والأقتصادية ولمصالح الدول الغربية معها خلق واقع جديد يجبر روسيا وإيران
والنظام على قبولهم بتقسيم سوريا وبضم المناطق التي تحتلها في شمال سوريا بعد إجراء
التطهير العرقي بحق الكرد السوريين الى تركيا في إطار اتفاق جديد تتوافق عليه مع روسيا.



مازاد الأمور تعقيدًا هو أن ادارة ترامب
ولابعاد تركيا عن روسيا ولإضعاف الارادة الوطنية السورية المستقلة لمجلس سوريا الديمقراطية
سمحت لها أيضًا بإحتلال مدينتي رأس العين(سري كانيه) وتل أبيض(كري سبي) بدون وجه حق
وزورًا وبهتانًاوخيانةً للجهد المشترك المبذول لحماية الانسانية من داعش.



في الأسابيع الأخيرة تصاعدت حدة الاشتباكات
في إدلب وحواليها وتقدم الجيش السوري مدعومًا من القوات الروسية والايرانية في المنطقة
التي شملها اتفاقة سوتشي بالمجمل بعد حوالي سنتين من عدم التزام تركيا بتعهداتها وسحبها
لسلاح المجموعات الارهابية وفصلهم حسب الرواية الروسية، الملفت هنا  هو الصخب الإعلامي والبيانات الحادة والمرتفعة من
الطرف الروسي والتركي تجاه بعضهم وكأن الفراق سيكون مصير العلاقة بينهم بعد دفء العلاقة
التي سادت في السنوات الأخيرة ، وخصوصًا بعد مذكرة التفاهم العسكرية بين الجيش السوري
وقوات سوريا الديمقراطية بالرعاية الروسية لحماية الحدود السورية الشمالية من الاحتلال
التركي الذي حصل اثناء هجوم تركيا على شمال وشرق سوريا وأحتمال اتفاق الادارة الذاتية
لشمال وشرق سوريا مع الحكومة السورية بعد أن تغير من ذهنيته وسلوكها . مع العلم أن
روسيا أصبحت خلال السنوات الماضية تمتلك من المعلومات والادوات في الداخل التركي ما
يجعلها ترغم أردوغان على الرضوخ في بعض الأحيان وإبقاء تهديداته في الأطار الكلامي
والبروبغندا الموجهة الى الداخل التركي ولحفظ ماء وجهه أمام جمهوره الأخواني في المنطقة.
إذا أضفنا  موقف الرئيس الفرنسي الذي يقلقه
وضع النصرة في إدلب وكذالك الموقف الأمريكي الذي أكده جيفري وبومبيو الذي لا يتعدى
اعطاء معلومات استخباراتية عن طريق اسرائيل لتركيا وبعض الادانة والشجب بعد قتل حوالي
14 جندي تركي على يد الجيش السوري بعد الموافقة الروسية وكذالك الموقف الأخيرة للسعودية
ومصر والامارات وكذالك الهند حول التدخلات التركية في المنطقة . نجد أن خيارات أردوغان
وتركيا في إدلب وسوريا  باتت محصورة في الرضوخ
لروسيا وقبول الوقائع الجديدة الحاصلة والقادمة أو اللجوء الى أمريكا كليًا وهذا سيكلفها
كثيرًا على المستوى الاقليمي في المنطقة أمام روسيا ومن الممكن أن ما يحصل لتقليص النفوذ
الأردوغاني في سوريا هو بالأساس متفق  عليه
بين روسيا وأمريكا لتحجيمه والذهاب الى حل سياسي. 



.    



ربما كان الموقف العربي حيال التدخل التركي
في سوريا في البداية ليس بالمستوى المأمول لكن ماشهدناه خلال إحتلال تركيا لمدينة رأس
العين(سرى كانيه) وتل أبيض(كرى سبي) ولو أنه لم يكن كافيًا لوقف الأحتلال لكنه كان
سببًا في جلب المزيد من الرفض للاحتلال وفي خلق رأي عام مساند لدفاع قوات سوريا الديمقراطية
عن وحدة الاراضي السورية وشعبها ، مما جعل المتأمرين يراجعون خططهم، وينبأ هذا الموقف
ويخبرنا أن هناك رغبة بدأت تتشكل في معظم الدول العربية بالإضافة لشعوبها في الذهاب
الى مواقف اكثر حزمًا ضد التمدد العثماني الأردوغاني الذي يهدد الاستقرار ويقوي وينعش
المجموعات الارهابية وخصوصًا بعد التدخل في ليبيا وجلب مرتزقة ماتسمى الائتلاف الوطني
السوري من جبهة النصرة والجيش الوطني السوري الذي شكله اردوغان من بقايا داعش وشاركوا
معه في احتلال مناطق شمال سوريا الى ليبيا .



من المؤكد أن الحل للازمة السورية يبدأ
عبر توحيد جهود كل أبنائها لإخراج المحتل التركي من عفرين وجرابلس والباب وراس العين
وتل أبيض وإقامة حوار سوري_سوري ورؤية الواقع والتغيرات الحاصل بعد حوالي 10 سنوات
وإشراك كل المكونات السورية في صياغة دستور يحقق الديمقراطية واللامركزية في إطار وحدة
سوريا وعبر القرارات الدولية 2254 وليس عبر الاصرار على الذهنية والخطاب المسبب للأزمة
وكذالك ليس بالتماهي مع أجندات الدول الاقليمية والمهيمنة.