الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تهذيب المهرجانات وليس المنع


قبل دخول جهاز الرنين المغناطيسي، أودع فني المعمل في كفي مجسًا، داعيًا إياي بنبرة من يؤدي عبارة مُكررة محفوظة، أن أضغط على المجس إن لم أتمكن من تحمل أصوات الصخب المزعجة التي يصدرها الجهاز وأنا بداخله، ضحكت وباغته قائلًا : توكل على الله.. هذه الأذن مُشبعة بحسن شاكوش، وحمو بيكا، وغيرهم من مطربي المهرجانات.

أنماط الغناء العشوائي ليست ظاهرة قاصرة جغرافيًا على بلادنا مصر، ونقصد بالعشوائي عدم انضباط الكلمات، والألحان، والأصوات، وأسلوب تقديم هذا الغناء، فهذا اللون من الغناء والموسيقى يجتاح البلدان الغربية بصورة كبيرة، ويجد جمهوره كما يجد جمهوره هنا، ولعل السمة الغالبة لهذا الفن هو أن مؤديه ومستمعيه أغلبهم من شريحة الشباب، ولذا يكتسب قدرًا كبيرًا من التمرد على كل محاولات ضبطه أو تقنينه أو مراجعة ما يقال وما يتم تلحينه، حيث يعتبرون ذلك نوعا من محاولة فرض الوصاية والسيطرة، وهي الأزمة المزمنة بين أجيال الشباب ومن هم أكبر منهم سنًا، حيث نتهم دوما بأننا لا نستمع اليهم، أو نحاول إدراك تصوراتهم.

والحقيقة أن آلية المنع لم تكن مجدية على مر العصور في وضع حد لظاهرة أو سلوك ننبذه، أو لا نجده متوافقًا مع قيم أو أفكار المجتمع، والأمر يبدأ من الوحدة الاجتماعية الأهم وهي الأسرة، فمنع ابنك مما يريد يجعله أكثر شغفا باقتناص فرصة لتجربة هذا الممنوع، أو التطلع دوما الى المرحلة العمرية التي تتيح له ذلك خارج حدود وصايتك، وعلى المستوى الأعم، فمنع أي ظاهرة يفتح الباب أكثر لانتشارها بعيدًا عن أعين الرقابة، وعبر شبكة المعلومات الدولية التي يصعب إحكام السيطرة على المحتوى المنشور عليها، طالما أنه لايخرق المعايير والشروط الأخلاقية الخاصة لهذه الشبكة العنكبوتية، فالمحتوى في نهاية الأمر موسيقى وغناء قد ينتقده البعض، ولكنه يحظى بنسبة مشاهدة عالية حتى من بين منتقديه، تدر في نهاية الأمر دخلًا هائلًا لصناع هذا المحتوى الموسيقي المثير للجدل.

من منطلق كوني أب، لست أنكر توجسي من هذا النمط الموسيقي العشوائي غير المنضبط، الذي لم يعد في الامكان السيطرة عليه، فهو ليس قاصرا على اماكن بعينها يتم أداء تلك الموسيقى فيه، بل يتسلل الى منازلنا عبر الشاشة الصغيرة عبر استضافة مطربي ما يسمى بالمهرجانات في برامج التوك شو أو غناءهم في حفلات عامة والاستعانة بهم في الفقرات الاعلانية للمنتجات والسلع، وخوفي ينطلق من التأثير السلبي المنتظر لهذه اللون الموسيقي، نظرًا للجوانب المرتبطة به، فالكلمات فجة، والموسيقى مزعجة، والأزياء التي يرتديها بعضهم فضلا عن قصة شعرهم غير لائقة، وأبناءنا لا يستمعون الى النصائح بقدر ما يندفعون لتقليد ما يشاهدون، ولا أظن أن الحفاظ على الأجيال لا يستدعي منا وقفة قوية قبل أن يفوت الوقت وتضيع أجيال قادمة. 

لذا تبدو من الأهمية بمكان اتخاذ اجراءات لضبط هذا الفن العشوائي ومحاصرته وإحكام الرقابة على ما يقدمه من محتوى، بديلا عن اتخاذ قرارات المنع غير المجدية، ولا أعتقد أن صناع هذا المحتوى سيكون لهم رأي آخر، فالتهذيب قد يجعل من هذا النوع من الموسيقى لونًا آخر لإيجاد إطار من التنوع يلبي كافة الأذواق، مع الحفاظ على قيم المجتمع.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط