EN 
في أخر إتصالٍ هاتفي بين البطل الشهيد أحمد منسي، مع قيادته، وقت أن استشعر أن لحظة الشهادة قد أوشكت، قال: "الشهيد لا يغسَّل أو يكَّفن، بل يُدفن ببزته العسكرية، وتلكم هي وصيتي".. وقد كان.
ملحمة البرث، هدفها الرئيسي هو الدفاع عن أرض وعرض مصر، وتكمن أهميتها من عدم تمكين العدو (داعش) من رفع علمه "الأسود" على هذا المبنى الذي يحمي هذا الجزء من أرض مصر.
الهجوم على كمين البرث، لم يكن كأي هجوم إرهابي سابق هدفه إسقاط أكبر عدد من الشهداء وبث الرعب في النفوس، إنما كان الهدف منه، احتلال جزء من أرض سيناء ورفع العلم الأسود على مبنى الكمين والمنطقة المحيطة به، وتوصيل رسالة للداخل والخارج بأن الدولة المصرية فقدت السيطرة على أجزاء من أراضيها، ما يدعو الناس للخوف ويبدأ أفراد الجيش بفقدان الثقة، وفي المقابل قواعد العدو تتخذ ثقة أكبر في أنفسهم وتنظيمهم والأتباع المترددين وأعضاء التنظيمات المسلحة الأخرى التي تنضم لهم، ويتشجع ممولو وداعمو الجماعات ليدفعوا أكثر ويدعموهم، بما إن التنظيم أصبح بهذه القوة الذي استطاع أن يفرض واقعا جديدا على الأرض.
وجسَّد مسلسل "الاختيار" ملحمة هامة من ملاحم وبطولات الجيش المصري، ممثلة في ضابط الصاعقة المصرية أحمد منسي، الذي استشهد خلال هجوم إرهابي أسود على كمين "البرث" بمدينة رفح بمحافظة شمال سيناء.
البرث، هي قرية تابعة لمركز رفح، محافظة شمال سيناء، مصر، بالقرب من المنطقة الحدودية بين رفح والشيخ زويد، ضمن نطاق المنطقة "ج" باتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، ويعد مربع البرث مهمًا من الناحيتين اللوجيستية والأمنية، فهو من النقاط التي تربط بين وسط سيناء من جهة ورفح والشيخ زويد من جهة أخرى.
وموقع قرية البرث الجغرافي في جنوب رفح، بالقرب من المنطقة الحدودية بين رفح والشيخ زويد، وتعتبر قرية البرث مركزًا لقبيلة الترابين، التي أعلنت في وقت سابق حربها على تنظيم "ولاية سيناء"، وأدت معارك نشبت بينهم إلى مقتل القيادي البارز في القبيلة، سالم لافي.
وتبرز أهمية مربع البرث من الناحيتين اللوجيستية والأمنية، في أنه يعد من النقاط التي تربط بين وسط سيناء من جهة ورفح والشيخ زويد من جهة أخرى.
وقد عرف الجميع سر "اختيار" هذه المجموعة بقيادة "منسي"، من خلال العمل الدرامي، الذي يعد تخليدًا وتأريخًا للشهداء، فما حدث في هذا اليوم، كان موقعة حربية وعملية عسكرية مكتملة الأركان تخطيطًا وتمويلًا وتنفيذًا كما ظهر في تفاصيل الحلقة ٢٨ من مسلسل "الاختيار" الذي يعد أكبر هجوم إرهابي لجماعة إرهابية.
وقد كشف الباحث المصري والمحلل في الشؤون العسكرية محمد الكناني، والذي نشر عبر صفحته على الفيسبوك، بتاريخ 22 مايو في تمام الساعة 12:52 صباحًا، عن تفاصيل هامة بعد عرض حلقة "ملحمة البرث" في مسلسل "الاختيار".
وقال الكناني، إن البرث تعد نقطة ارتكاز ومحورًا رئيسيًا لتحركات العناصر التكفيرية في رفح، وقامت القوات المسلحة المصرية في رمضان 2017، بوضع نقطة ارتكاز لعناصر الصاعقة في القرية كبداية لإحكام قبضتها على محاور تحرك تلك العناصر، وعزلهم وحصارهم في نطاق الشيخ زويد غربًا من رفح وشرقًا من العريش.
وأوضح الكناني، أن ارتكاز قوات الصاعقة المصرية في مربع البرث، كان مؤقتًا كنقطة انطلاق لتنفيذ عمليات نوعية ضد العناصر التكفيرية للقضاء على أنشطتها في تلك المنطقة قبل أن تعاود عناصر الصاعقة التحرك والتمركز في منطقة أخرى أو العودة لمقر القيادة الرئيسي للكتيبة 103 في العريش.
وتابع الباحث المصري محمد الكناني: "وفقًا للفيديو الذي نشره التكفيريون عن الهجوم، فإن البداية كانت بعد الفجر وقبل الشروق مباشرة وتمثلت في إطلاق قذائف الهاون والتعامل بالرشاشات الثقيلة، عيار 14.5 مم، القادرة على اختراق المركبات المدرعة والجدران مع الدفع بالسيارات المفخخة المصفحة المزودة بألواح من الصلب القادر على تحمل الطلقات من الأعيرة الكبيرة".
ونوَّه بأنه من قوة التفجير يمكننا القول بأن كمية المتفجرات المستخدمة قد يصل وزنها إلى 1 طن، حيث يتم التعامل على الارتكاز الأمني بالرشاشات الثقيلة من مسافات بعيدة، وهذا "تكتيك عسكري غربي" يعتمد على الكثافة النيرانية العالية على النقطة المراد تدميرها أو السيطرة عليها للتأكد من القضاء على كل من فيها من عناصر قتالية ومعدات.
وأوضح الكناني فيما كتب، أن الدعم الذي تحرك إلى كمين البرث لمساندته اشتبك في طريقه مع العناصر التكفيرية بالمفخخات والرشاشات الثقيلة واستشهد الملازم أول خالد مغربي بعد مهاجمة مركبته بواسطة سيارة مفخخة.
وتابع: "بدأت العناصر التكفيرية في التقدم ناحية الارتكاز الأمني من مسافة بعيدة، بعد انهيار النصف الأمامي للمبنى الرئيسي الذي كان يتواجد فيه معظم أفراد القوة، في حين أن المبني الآخر ظل سليمًا بمن في داخله من الأفراد، والذين صمدوا أمام الهجوم حتى النهاية".
وأكد أنه رغم التفوق العددي للعناصر التكفيرية المهاجمة، إلا أنهم كانوا ما زالوا يتبادلون إطلاق النار مع باقي أفراد القوة من مسافة بعيدة، وباقي أفراد القوة الصامدين في المبنى المتبقي من مسافة قريبة، دون أي نجاح في اقتحامه.
وأشار إلى أن دعم القوات الجوية المصرية، بدأ بالطائرات المسيرة طراز Wing Loong صيني الصنع، وهذا يؤكد على عدم تأخر الدعم الجوي رغم بطء تلك الطائرات، بالإضافة إلى وصول مقاتلات "إف-16".
وأضاف الباحث المصري محمد الكناني أن العناصر الإرهابية فشلت في السيطرة على ارتكاز البرث، وفشل الهجوم في تحقيق السيطرة على الأرض أو رفع العلم الأسود للعناصر التكفيرية أو حتى الاستيلاء على أسلحة أو خطف أحد أبطال الصاعقة أو حتى التمثيل بأي جثمان من جثامينهم.
كما أوضح أن معظم من استشهد من أبطال الصاعقة كان بفعل انفجار السيارة المفخخة في محيط الارتكاز الأمني وانهيار الجزء الأمامي من المبنى الرئيسي.
أما عن البندقية الهجومية الخاصة بالبطل الشهيد أحمد منسي، فكما ورد فيما نشره المحلل العسكري، محمد الكناني على الفيسبوك، أنها من نوع: "بيريتا Beretta ARX-160".
وفيما يتعلق بلقطات منسي والتي جسدها (أمير كرارة) في المسلسل وهو يصطاد التكفيريين بسلاحه بسهولة من تلك المسافة، فهي ليست مبالغة على الإطلاق، لأن منسي رحمه الله حاصل على فرقتي السيل المصرية والأمريكية وكان يخدم في الوحدة "999 قتال" وهي وحدة العمليات الخاصة للصاعقة، خلف خطوط العدو، ويُعد أفراد هذه الوحدة، من نخبة مقاتلي الصاعقة وأكثر خبرة وكفاءة وقوة.
من قلبي: كل شهداء مصر تاج على رؤؤس المصريين فكل جندي استشهد مدافعًا عن أرضه، هو بطل يستحق كل احتفاء وتكريم، لكن معركة كمين البرث، تبقى معركة غير كل المعارك، ويبقى الشهيد منسي ورجال الكتيبة 103 أساطير واستثنائيين، صمدوا صمودا أسطوريا، أمام الهجوم وعدد المهاجمين، حيثُ استطاعوا قتل 40 من المهاجمين وهو عدد أكبر من الشهداء الذين استشهدوا في نهاية المعركة.. رحم الله شهداءنا أجمعين.
من كل قلبي: ستظل أرضنا تطرح الأبطال، إلى يوم الدين، الذين يقدمون أرواحهم ويخضبون بدمائهم رمال مصر الطاهرة.. معركة البرث ستظل علامة مضيئة في تاريخ مصر.. ولولا عظمة منسي والشبراوي ومغربي وشاهين والعربي ومحسن وفرج وأبو اليزيد والبطل الناجي الوحيد في هذه المعركة، محمد طلعت السباعي وباقي الأبطال.. ياريت كل أب وأم يحفظوا أبناءهم أسماء هؤلاء العظماء.. "ولا تحسبن الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون". صدق الله العظيم.
#تحيا_مصر تحيا_مصر تحيا_مصر.
