الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

قراءة في المشهد الليبي


إن الزعماء الأقوياء ليس هم هؤلاء الذين يخوضون الحرب تلو الحرب والمعركة تلو المعركة، بل هؤلاء الذين يرسمون سياسات بلادهم وفق خطط واضحة، بعد قراءة صحيحة للمشهد في بلادهم، ورؤية عميقة للمشهد في دول الجوار، والقوى الإقليمية والدولية، وهم في خططهم هذه يقدمون الحلول، ويضعون البدائل المتعددة التي لا تنسق مع السيناريوهات المختلفة لهذه القضية أو تلك، أو لهذا الملف أو ذاك.

إن أكثر ما يميز سياسة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي هو ذلك العمق للقضايا الداخلية والخارجية على حد سواء، فوجدنا مصر تعلن منذ اليوم الأول لأية أزمة أو في أية قضية ثوابت لا يمكنها التخلي عنها، لأنها الثوابت التي لا يمكن لحل منضبط قابل للحياة إلا أن يعتمدها ويسير عليها. وللقارئ الكريم أن يعيد في ذهنه ما خرج عن القيادة السياسية متمثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي ليكون أطر لحل أية قضية من تلك التي ضربت المنطقة في العقد الأخير ليتأكد مما نقول.

إن المتأمل لمبادرة القاهرة لحل الأزمة الليبية يدرك أن القاهرة لا يخرج عنها ولا منها إلا ما يتفق مع القرارات المعتمدة من المجتمع الدولي ومن المؤسسات المعنية، ولا تقفز مرة قفزة في الفراغ، ولا تتخذ خطوة تنافي القوانين الدولية، أو تتخطى القيم الراسخة المواثيق والمعاهدات العالمية.

وعلى العكس من القاهرة تماما، يأتي سلوك أنقرة، التي رهنت قراراتها، وأسرت سياساتها، وحصرت أفعالها في توجه أيدلوجي بغيض يدور في فلك جماعة الاخوان الإرهابية، والتي هو بالمناسبة لا يتعارض مع ما تم رسمه من قبل مؤسسات الدول العظمى، وإلا بكلمة قاطعة وقولا واحدا ما استطاعت أن تفعل شيئا على الأرض في سوريا ولا تجرأت على الإتيان إلى ليبيا.

فالثابت لدي أن الخليفة المزعوم أردوغان ما كان يستطيع أن يرسل مرتزقا واحدا، فضلا عن الآلاف من الإرهابيين، ولا طلقة واحدة، فضلا على الأسلحة المتطورة، ما لم تغض الدول العظمى، وعلى وجه التحديد أمريكا، الطرف عن ذلك الجسر الجوي الذي استخدمه أردوغان لإيصال هذا الدعم القوي إلى حكومة فايز السراج.

وإذا أردنا أن نحلل المشهد في ليبيا إلى عناصره الأولية، فإننا يجب أن نتوقف أول ما نتوقف عند الثروة النفطية الكبيرة في ليبيا؛ لأنها مفتاح معرفة كل ما يجري على الأرض الليبية، وربما يظن البعض أن دعم أردوغان لحكومة فايز السراج يؤهله لنيل نصيب كبير من هذه الثروة النفطية في ليبيا، ولكننا على يقين من أن تركيا لن تحصل إلا بما يسمح به الأمريكان والروس من هذه الثروة، فنصيب الأسد ذاهب حتما لأمريكا، ذلك الذي يفسر العودة المحمومة لأمريكا للعب دور فاعل في الأزمة الليبية بعدما فشلت في إدارتها الدول الأوربية.

أما روسيا فهي تبحث بجانب الاستيلاء على قطعة من كعكة النفط الليبي، إلى موضع قدم لنفوذها في الشمال الأفريقية الذي سيصبح نقطة انطلاق لها لمزيد من النقاط الاستراتيجية في القارة الأفريقية، هذا الذي هو عينه يسبب قلقا بالغا للأوربيين الذين يرفضون كل الرفض حصار روسيا لهم من الجنوب.

وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد اكتفت بمراقبة الشأن الليبي خلال السنوات الماضية، فإنه على العكس من ذلك كانت روسيا التي حافظت على علاقات وتواصل مع كافة الأطراف الليبية المتصارعة، وإن اكتفت بدعم الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر بالسلاح، وهو ما كان له أكبر الأثر في التفوق الكبير للجيش الليبي في الفترات السابقة، وكاد أن ينهي الأزمة الليبية تماما بالسيطرة على كامل التراب الليبي، ذلك عينه هو الذي دفع أمريكا للعمل على إعادة توازن القوى بدفع أردوغان لتعزيز تواجده العسكري في ليبيا، لمساندة حكومة فايز السراج، هذا أيضا الذي لم تمانع فيه روسيا بهدف الضغط على حليفها المشير خليفة حفتر للقبول بالمقترحات حال توصل القوى الكبرى إلى صيغة تقسيم الثروة والنفوذ في ليبيا، الذي أؤكد أن نصيب تركيا فيه لن يكون أكثر من الفتات.

أما الدول العربية، فليس هناك دور يمكن أن يلفت الانتباه، أو يؤكد الاهتمام، باستثناء الموقف المصري الفاعل في كافة قضايا المنطقة، وعلى الأخص تلك التي لها تماس مباشر بالأمن القومي المصري والتي يأتي في مقدمتها بكل تأكيد القضية الليبية، وطبعا يمكننا أن نلحظ بسهولة شديدة المحاولات المستميتة التي تقوم بها مصر برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي وذلك لإيقاظ دور العالم العربي المستغرقة دوله في أزماتها الداخلية المتراكمة.

وإننا على الرغم من أمنياتنا في أن تستجيب كل الأطراف الليبية لمبادرة القاهرة التي هي "ليبية ليبية"، فإننا نظن أن الأزمة ستستمر ردحا غير قصير من الزمان، حيث أن لحظة التوافق بين الدول الكبرى، في زعمنا، لم تحن بعد، وأنها لن تحين إلا بعد أن تستنفذ تلك القوى محاولاتها للوصول لأكبر حجم من الاستفادة من الناحيتين: المادية والسياسية.

أما رأينا الذي لا نقبل فيه شكا فهو إذا أراد الأشقاء في ليبيا أن يقطعوا على كل القوى: الكبرى والصغيرة كل مخططاتها فما عليهم إلا أن يرهفوا السمع لصوت الحكمة الخارج من القاهرة قلب العروبة النابض على لسان حكيم الأمة وزعيمها الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي لا ينظر نظرة ضيقة، ولا ينتظر مكسبا شخصيا لمصر، بل كل همه أن ينعم الشعب الليبي بحياة مستقرة مزدهرة، وأن تنعم مصر بالأمن والأمان الذي هو مفتاح كل تنمية وأساس كل تقدم.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط