الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ما الذي فعله شريف منير؟!


سأبدأ المقال بقصة ولعل الجميع يتعظ منها... كان لأبي حنيفة جارٌ سكِّير فاسد، فنصحه؛ حتى تعبَ من كثرةِ نصحهِ فتركَهُ، وذاتَ يومٍ، طرقت الباب زوجة السكير، تدعو أبا حنيفة للصلاة على زوجها السكير، فرفضَ، وفي منامهِ جاءهُ السكِّير، وهو يتمشى في بساتينٍ منَ الجنةِ، ويقولْ: قولوا لأبي حنيفة: الحمدُ للهِ أنَّ الجَنَّةَ لم تُجعل بيده! فلما أفاقَ سألَ زوجته عن حاله، فقالت: هو كما تعرف عنه، غيرَ أنه كان في كل يوم جمعة يُطعم أيتام الحي، ويَمسحُ على رؤوسهم، ويَبكي، ويقول: ادعوا لعمكم، فلعلها كانت دعوة أحدهم، فَنَدِمَ أبو حنيفة أشد الندم.. إن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها.   انتهت قصة السكير وأبي حنيفة ونَدخُل على المَضمون. 
أولًا: وقبل أن أخوض في معرض صور شريف منير وبناته، أقول إنني أعترض علي ظهور الأقارب أو مشاركة الأغراب أمورًا خاصة بي، لم يكن يستحق أن يراها كل من هب ودب.. ثانيًا: أتفهم فرحة شريف منير، الأب، بصباح جميل من بناته، فأراد تخليدها في لقطة قام بتصويرها، وأراد أن يشارك الناس فرحته ببناته، ولن أغلطه أو أعقب على تصرفه، فهو حرية شخصية.. أما النتيجة التي تلقاها من تقطيع للهدوم، سببه مرض بعض الذين يعيشون بيننا في المجتمع.

بدايةً وقبل أن أتناول المقال، من باب تضامني مع الفنان شريف منير، أؤكد أنني لا تجمعني بالفنان شريف منير أي سابق معرفة، لا من قريب أو بعيد، لكن أُجلُّه وأحترمه، كما أؤكد أنني مع حرية وعقيدة الآخرين، ما دامت لن تمسني.

بعد ما نشر صورة لابنتيه، فريدة 12  سنه وكاميليا 16 سنة، تعرَّض منير، لإرهاب البعض له في التعليقات التي صاحبت نشره "للبوست"، ما اضطره إلى أن يحذف صورة ابنتيه، الأمر الذي ارتأيت فيه إرهابًا من البعض بشكل مقلق على التفكير المجتمعي.. وبصراحة هذا  الأمر، زاد عن حده، مؤخرًا، فأصبحت أستشعر القلق من طريقة التفكير عند البعض، وطريقة فرض الآراء بمحض القوة سواء بسطوة الدين (الواهية) أو بشكل فج، فالدين الإسلامي بُرَاء من هؤلاء وتفكيرهم العقيم، أو طريقة تناولهم للمرأة، بل وأعتقد أن على الأزهر تقويمهم وتصحيح هذه المفاهيم.. بسم الله الرحمن الرحيم: "ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك". صدق الله العظيم.
وعندما أعاد الفنان نشرها مرة ثانية، بصراحة  فرحت بإعادته التفكير في أنَّ أحدًا لم يستطع ردعه، لأنه حقًا لم يفعل جُرمًَا وكتب مُحذِّرًا، أن أي تعليق خارج عن الأدب، سيتخذ معه إجراءات قانونية.
فهل يُعقل أن يتعرض منير لكل ردود الأفعال التي قرأناها على مواقع التواصل، من سبٍ وقذفٍ وإهانةٍ، بسببِ أنه صَوَّرَ بناته القُصَّر بملابس البيت، والتي لا تعجب سيادتهم، لبس يعني بمفهومهم ووفقًا لمعتقدهم الخاص (ولن أقول الخاطئ كما يفعلون)، بأنه مخِّل بأخلاق وآداب المجتمع.. اللهم عافنا واعف عنّا وارفع عنا البلاء المعشش في العقول!!
فإلى أين وصلنا وإلى أين نحن ذاهبون؟  من ذا الذي يملك أن يحاسب الآخرين، على أي تصرف؟ فوفقًا للحسابات الدينية، أنَّ الله سبحانه وتعالى وحده، من يملك أن يحرِّم ويحلِّل ويحاسب ويعاقب ويُثيب من يشاء وليس حضرتكم يا "أفندية" يا من تقرئون في الدين.. قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏‏وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ" صدق الله العظيم.
من هؤلاء وعن ماذا يتحدثون؟ أي أخلاق مجتمع يتحدثون عنها، يصفون أنفسهم بالمجتمع المتدين، وهو الذي وفقًا للإحصائيات والتقارير، مُسَجِّلًا أعلي نسبة مُشاهدة للصور الإباحية وأفلام "البورنو" (العري)، أما تقارير حقوق الإنسان، فصَنَّفَت هؤلاء بأنهم يَعتَلون المرتبة الثانية في نسبِ التحرشٍ عالميًا وقضايا الفسادِ والرشوة.. فهل هذه هي القيم والمبادئ العظيمة التي يتحدثون عنها؟؟!
سأعود بالذاكرة وأحاول أن أقوم بقراءة سريعة للمشهد الذي أدي إلى التحول في حياتنا، في منتصف السبعينيات، استقطبت إحدى الدول العربية، أعدادًا كبيرةً من المصريين في تلك الفترة.. وعلى رأسهم المشايخ والأئمة من مصر لتدريس الدين هناك، فقاموا بتدريس مناهجهم التي كانوا يشبِّعون بها شعوبهم، في تلك الفترة وأهمها  "المذهب الوهَّابي"، والذي أصبح أقوى في تأثيره واعتناق أفكاره، من الفكر الأزهري والوسطي للدين الإسلامي الحنيف.. فما الذي فعله هؤلاء الشيوخ بعد أن عادوا بتلك الأفكار من هذه الدول؟
عادوا ليُشَبعوا المجتمع ببعض الأفكار ومنها، أن  المرأة إذا خرجت متبرجة، فهي تُلِّح علي الشباب اغتصابها وأن المتبرجة تستفز الذكورية وهو أمرٌ فطري، فالرجل ما أن شاهد "الميكروجيب" (وكان منتشرًا في الستينات والسبعينات وأوائل الثمانينات حتى جاءونا الشيوخ بهذه الأفكار) فكيف لا يتحرَّش بها بالمرأة؟ 
فقد (أقَّرُّوا) الاغتصاب وأطلقوا لأنفسهم العنان لشهواتهم وتناسوا "غض البصر" فقال تعالى: "قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ". صدق الله العظيم.
 أما في عهد والدي الحبيب، رحمة الله عليه، وكل الآباء المحترمين، الذين فتَّحنا أعيننا عليهم ورأيناهم، يعرفون الدين بالفطرة، حق المعرفة، وأحسنوا تربية بناتهم، بدون شيخ أو داعية، وقتَ أن كانت المرأة محررة من تلك الأفكار وترتدي ما تشاء، ولا يجرؤ أن ينظر لها أي شخص إلا بكل عفة واحترام.. أما ما نراه الآن، فما هو إلا نتاج طبيعي، لهيمنه خطاب ديني قائم علي جعل المرأة سلعة.
هذه الدولة العربية التي جاءونا الشيوخ منها بهذا الفكر، وبعد تضييق الخناق عليها لسنوات طويلة بهذه الأفكار، بدأت تُعلن تحررها الآن من هذا الفكر المتشدد، بل وتلفظه، وتبحث عن المذهب الوسطي، بدلًا منه! 
إذن، نستخلص من هذا المشهد، أنه لا المتشدد أو المنفلت يصلح، فخيرُ الأمورِ أوسطها.. والإسلام دين وسطي في كل شيء، أحكامه وسننه.
ما الذي ننتظره من ثقافة مجتمع تربي علي أن المرأةَ فتنةٌ وأنها أكثرُ أهلَ النارِ وأن جسدها عورة وأن شرفها وشرف أهلها يكمن في جسدها وليس عقلها؟؟؟.  يا سادة: إذا صَلُحَ العقل صلح الجسد،  وليس العكس!!!
علينا أن نعلم تمامًا أن الفضيلة وقيمة الإنسان ليس لها علاقة بطريقة اللبس أو غيره.. ولا أود أن أتحدث عن أشياء إن "تُبدَ لكم تسوؤكم" كما تفعل بعض النساء اللاتي يرتدين العباب، ولا أقصد هنا أن أعمم الأمر على كل من ترتديه، فالكثيرٌ منهن فُضْلَيَاتْ.. لكن، مع الأسف، بعضهن تُسيء إليه (تأخذه ستارًا) وتتستر وراءه بتصرفات مشينة و غير مناسبة لهذا الدين الإسلامي الجميل الوسطي.

من قلبي: أعتقد أن الجيل الجديد من الشباب يحتاج لمن يأخذ بيده ويقدم له النصح، ويتم ذلك من خلال ورش تعليمية وتوعوية، تقدمها دور العبادة، بعد أزمة كورونا، بحيث ينشأ الشباب على قيمة المرأة التي أكرمها وأعزَّها الله ورسوله.. ولن ننسى ما قاله  الرسول (ص): "رفقًا بالقوارير" أي (النساء) .
من كل قلبي: قبل محاسبة أي شخص لابد من تغيير نظرة المجتمع الذكوري لجسد المرأة على (أنها قطعة لحم شهية).. فمتى يتوقف هؤلاء عن النظر إلى جسد المرأة وليس عقلها؟. نحن بحاجة إلى ثورة وعي من أجل أن يعيد المجتمع نظرته للمرأة المصرية بطريقةٍ سوية.. واللهُ على ما أقولُ شهيد.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط