الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مسبار الأمل.. هنا بالإمارات الاستثمار في الإنسان يا «أبو تريكة»


أسعد كثيرا حينما يطالبني القراء والمتابعون بالكتابة في موضوع معين، وبالتطرق لقضية محددة، وبالإشارة إلى حدث ما، هذا الذي يعني لدينا، أن هناك من يرى فائدة فيما نسطر، وأن هناك من يجد مصلحة فيما نعالج، وأن هناك من يعتقد قدرتنا على تصحيح خطأ أو إيصال صوتٍ، وهذا، في تصورنا، هو مهمة الكاتب، الذي يتفاعل مع قضايا وطنه، ويعالج مشكلات مجتمعه، ويمثل صوت أبناء جلدته.


وأسعى دائما لتلبية رغبة هؤلاء الأصدقاء والقراء والمتابعين فيما يطلبون من معالجة تلك الموضوعات التي تتراوح ما بين موضوعات خاصة بفئة، مثلما طلب منا الصديق الدكتور عاصم والي بشأن خاص بصيادلة مصر، وكما يطلب منا أوائل الكليات الأزهرية الذين يريدون، فيما يرون أنه حقهم، التعيين بالكليات، وكما هو الحال بمطالبة أحد متابعينا، بضرورة فتح ملف، ما يرى أنه فساد في بعض الكليات، ذلك الذي يؤكد أن هناك ثقة لدى هؤلاء في وصول صوتهم من خلالنا عبر سلسلة مقالتنا في صحيفة صدى البلد إلى من يهمه الأمر.


وإن كان مثل ذلك يمثل سعادة بالنسبة لنا، فإن هذه السعادة تصل إلى القمة حينما يأتينا اقتراح من دولة الإمارات العربية، من أحد متابعينا وأصدقائنا هناك، وهو الشيخ عبد الله جاد، أحد شيوخ الأزهر الشريف، بأهمية تناول هذا الحدث العلمي لما له من أهمية وما فيه من دلالات، وما يعكس من رسائل، والذي هو الأول بالنسبة لكل الدول العربية، ونعني به انطلاق رحلة "مسبار الأمل" التي هي واحدة من ثلاث بعثات تنطلق إلى المريخ هذا الشهر، حيث تستعد كل من الولايات المتحدة والصين لإطلاق مهمتين مماثلتين.


هذا الحدث العلمي العام الذي تقوم عليه دولة الإمارات العربية المتحدة، لتخط بذلك أول سطر في كتاب غزو الفضاء الذي سيكتبه العرب، هذا الجانب الذي يحتاج قدرات خاصة: علمية ومادية، وإن كان الجانب الأخير تتوفر عليه العديد من الدول العربية، خاصة دول الخليج العربي النفطية، فإن دولة الإمارات عملت على تحقيق الجانب الأول، وذلك منذ أن أعطت التعليم أولوية كبيرة، ومنذ أن شجعت العلماء، ليس الإماراتيين فحسب، بل كل العلماء العرب في جميع المجالات، فشهدنا مؤتمرات علمية، ومهرجانات ثقافية، تقام على أرض الإمارات العربية، برعاية خاصة من سمو أمير البلاد خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، ورعاية خاصة من محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، كما وجدنا اهتماما بالمواهب العربية في جميع مجالات العلم ومختلف أفرع الثقافة.


إنه في الوقت الذي نرى فيه دولا، محسوبة على العرب، زعم لاعب الكرة أبو تريكة أنها تستثمر في البشر، توقف ثرواتها الهائلة على التدخل في شئون الدول الأخرى، ونجد تلك الدول تبدد ثروات الشعوب في الإنفاق على مشاريع إقليمية تستهدف المنطقة العربية، وتبعثر الأموال على إرهابيين مرتزقة بهدف القضاء على الدول الوطنية، لحساب مشروع استعماري جديد، يمثل فيه الإرهاب وجماعاته رأس حربه للمستعمر، وتمثل فيه تركيا أداة تفتيت للدول، نجد دولة الإمارات العربية المتحدة وقد استثمرت استثمارا خاصا وحقيقيا في الإنسان: تعليما وتثقيفا وتهذيبا، هذا الذي يشهد به القاصي قبل الداني، في ذات الوقت الذي لم تتخل هذه الدولة ذات التقاليد العربية الأصيلة عن دورها القومي، فوجدناها داعمة لمصر في حربها على الإرهاب، ومتحالفة مع القاهرة ضد المستعمر، ومُعَضِّدَة للقوات المسلحة المصرية التي ترى فيها درع العرب وحامية الأمة، هذا الذي يؤكده تلك العلاقات الراسخة بين الزعيمين العربيين الكبيرين: الرئيس عبد الفتاح السيسي وأخيه خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة وحكام الإمارات العربية.


لقد تم التخطيط لتشهد رحلة مسبار الأمل التي تبلغ 500 مليون كيلومتر وصول الروبوتات الآلية في فبراير 2021، وهو الذكرى الخمسين لإنشاء دولة الإمارات، ذلك الذي يعكس حجم التقدم الذي شهدته هذه الدولة، في الخمسين سنة الأولى من عمرها، وذلك بتخطيط دقيق بداية من مؤسسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ومن بعده أبنائه الذين ساروا على دربه وعشقه للعمل والعلم والعروبة.


وإن كانت الإمارات العربية المتحدة لا تتمتع بنفس خبرات الدول الكبرى في مجال تصميم وتصنيع المركبات الفضائية، فإنها صممت على المحاولة في مجال لم تنجح في القيام به إلا الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا والهند فقط، وهو ما يحسب بكل تأكيد لها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنه يبعث بالأمل في أن يخترق العرب بقيادة مصر، التي تمتلك من العقول والعلماء ما يؤهلها لتلك القيادة، هذا الطوق الذي يخنق عنق الأمة العربية في مجال العلوم.


إن نجاح انطلاق مسبار الأمل الذي أنتجه مهندسو الإمارات العربية المتحدة بمساعدة خبراء أمريكيين، وذلك خلال ست سنوات فقط، كانت هي مدة صناعته، يؤكد على قدرة العقل العربي متمثلا في مهندسي الإمارات، نموذجا، على استيعاب أعقد أنواع العلم، كما يؤكد قدرتنا على اقتحام صناعة هذه المسابير، والمساهمة الحقيقية، من خلال عقول الشباب العربي الذي تم الاستثمار فيه استثمارا حقيقيا، لا مثل ذلك الاستثمار الذي زعمه أبو تريكة، في كشف غموض الكون، من خلال مثل هذه الرحلات التي تهدف إلى استكشاف ودراسة الكوكب الأحمر.


إن التجربة الإماراتية، والتي نتمنى لها النجاح، لهي إحدى الإشارات القوية في كفاءة الشباب العربي، هذه الكفاءة التي نطالب برعايتها من ناحية، واستثمارها من ناحية ثانية، وذلك بإتاحة الفرصة للعقول العربية للإبداع، وتهيئة البيئة العلمية والثقافية للشباب العربي، بالإضافة لبذل كل الجهد في تشجيع الشباب العربي لاقتحام المجالات العلمية الدقيقة، وكذلك لابد من الاهتمام البحث العلمي على مستوى الوطن العربي جميعه، فبدون العلم، لن نجد لأنفسنا موضع قدم في عالم اليوم، ولن نسهم بشيء في الحضارة الحديثة التي هي حضارة العلم، التي لن ينظر العالم لنا بعين الاعتبار إلا أن شاركنا فيها بإنتاج علمي، وابتكار صناعي.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط