الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فتحي سليمان يكتب: اعتذر القاضي.. فهل تعتذرون؟

صدى البلد

منذ انتشار فيديو طفل المعادي، وتهكمه على شرطي المرور، وجهات التحقيق ومكتب سيادة النائب العام أمر بالتحقيق في الواقعة، وتصرفت جهات التحقيق وفق قانون الطفل والمادة 119 من قانون الطفل والتي نصت على أنه لا يحبس احتياطيًا الطفل الذي لم يجاوز خمس عشرة سنة، ويجوز للنيابة العامة إيداعه إحدى دور الملاحظة مدة لا تزيد على أسبوع وتقديمه عند كل طلب إذا كانت ظروف الدعوى تستدعي التحفظ عليه، على ألا تزيد مدة الإيداع على أسبوع ما لم تأمر المحكمة بمدها وفقًا لقواعد الحبس الاحتياطي المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية".

أضاف القانون أنه يجوز بدلًا من الإجراء المنصوص عليه في الفقرة السابقة الأمر بتسليم الطفل إلى أحد والديه أو لمن له الولاية عليه للمحافظة عليه وتقديمه عند كل طلب، ويعاقب على الإخلال بهذا الواجب بغرامة لا تجاوز مائة جنيه.

هذا هو نص القانون المعمول به والذي تصرفت وفقه النيابة العامة في بادئ الأمر ولما عاد الطفل لممارسة سلوكه بنشر فيديوهات حمل محتواها "التنمر والإهانة والسخرية"، أمرت فورا بالقاء القبض عليه والصبية أصدقائه ممن ظهروا معه، وألقت قوات الشرطة عليهم فجر ليلة تسجيل المقطع الفيديو وحتى قبل أن يستيقظ المجتمع ويبدأ في عملية نشر وتداول والمطالبة بالمحاسبة كان الطفل وأصدقائه في قسم الشرطة تنفيذا لأوامر جهات التحقيق.

في ذات الوقت وصبيحة يوم الواقعة، لم تغض وزارة العدل الطرف عن القاضي والد الطفل واستدعته للتحقيق والاستماع لما بدر من نجله، وهاتفته وقتها شخصيا، وبدا عليه الاعتذار والأسف والأسى لما بدر من نجله.

خرجت جهات التحقيق مساء ذات اليوم بقراراتها والتي حملت احتجاز الطفل وحبس أصدقائه وإرساله للطب الشرعي وإيداعه إحدى دور الرعاية إلى أخر قراراتها التي أكدت أنه لا أحد فوق المحاسبة والعقاب وحملت بيانات إدارة البيان بمكتب السيد النائب العام مرارا وتكرارا وفي وقائع عدة تأكيدا على ذلك من أن تولى المهمة القاضي الجليل المستشار حماده الصاوي الذي نثق فيه ونجّل دوره وباقي رجالات محراب العدالة.

لم يأت تصرف القاضي واعتذاره المقبول أقل ذكاءً وتأدبًا من رجال العدالة الموقرين والمقدسة رسالتهم، إذ أكد رفضه القاطع لما بدر من نجله وعدم وجود أشخاص فوق المحاسبة القانونية، بل خضع هو شخصيا للقانون الذي يحترمه ويجله ويتشرف بتنفيذه في محراب القضاء طيلة ثلاثون عاما، مؤكدا للشعب كله أنه تركه وقت القبض عليه دون مرافق ودون محام كي يعلم أنه لا أحد فوق القانون.

القاضي الجليل الذي تحمل مسؤوليته واعتذر وتعهد وتأسف، قال إن إحساس عميق بالخجل انتابه من سوء سلوك نجله، تعهد تقويمه وعاهد الجميع أن لن يصدر عنه أي تصرف مسيء أخر.

الاعتذار من شيم الرجال والكبار، ومَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللّه، ولكن أين اعتذارنا نحن، الجميع على السوشيال ميديا قضاة ومحللين وجلادين وخبراء وأئمة ومعلمين وسياسيين واقتصاديين، سبوا الأب وأكالوا الاتهامات لأسرة الطفل وهم في بادئ الأمر معذورون لكن ماذا وإن تحمل الأب والجهات الرسمية مسؤوليتها أين اعتذاركم للأسرة بل نصب الجمع الكرام أنفسهم أوصياء وأولياء وبات منهم من يرفض هذا الاعتذار ومنهم من راح يكمل تشفيه واجترائه على أسرة أسقطتها سلوكيات ابنها السئ في مصيدة الرأي العام.

رغم أن الواقعة فردية، ونادرة، إلا أن التشفي من القاضي ومؤسسته بل والدولة كلها ظهر في تعليقات البعض، ولم يمهل الناس أنفسهم وقتا للاستماع أو التأني وترك الحكم والفصل لجهة العمل والتحقيق، وكأن الفرصة أضحت واتية ليهدموا قيّما نجّلها ونحترمها وقدسها الأباء والأجداد.

كصحفي متخصص في تغطية شؤون الملف الأمني والقضائي أجزم بالقول أن المستشار الجليل حمادة الصاوي نائب عام مصر أسم يليق بمصر ولن ينسى الشعب محاميه، وسوف تؤرخ فترة توليه المهمة منذ بدايتها ناصعة البياض في تاريخ النيابة العامة والعدالة، وأن بيانات إدارته ووحدة الرصد ضربت المثل والقدوة في الرصد والتحليل وإصدار بيانات قوية تحمل لهجة قانونية وإنسانية ونصائح مجتمعية مدققة لغويا واصطلاحيا.

ياسادة، لقد اعتذر القاضي عن سوء سلوك نجله فهل تعتذرون على سوء أخلاق ذويكم أو سوء تصرفاتكم ولتتركوا مؤسساتنا تكمل بناء دولتنا الحديثة القوية القادرة على محاسبة ومراقبة وتحمل مسؤوليات أفرادها.