الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

العزف على أوتار المشاعر


تساءلت دومًا عن المسافة الفاصلة بين كل شخص واتجاهاته.. ميوله.. معتقداته.. أو حتى علاقاته.. هل تقاس بتنشئته الاجتماعية، أم أوضاعه المادية ، أم أصدقائه ومعارفه البعيدين كل البعد عن جدران بيته ..أم هؤلاء اللذين يباغتونه  عنوة عبر منصات التواصل الاجتماعي بأفكار وأخلاقيات أبعد ما تكون عن أهله وناسه لكنها بفعل السوشيال ميديا أصبحت تتحكم  في مسار الكثيرين...

ربما يرى البعض أن كل ما سبق بتفاصيله وهوامشه هو الذي يرسم خارطة حياة كل منا لكن يبقى الأهم.. نعم.. فلا أهم من المشاعر التي تستقبل كل ما قيل ويقال وتأتي بردات فعل تحدد مصائرنا.. فهل تعرف ماهية مشاعرك؟!.. 

إياك أن تتسرع في الإجابة، ففي دنيا المشاعر لا يوجد صواب وخطأ حتى أن علماء النفس لم يتمكنوا من إيجاد تعريف شامل جامع لهذا الشيء الغامض المسمى "شعور" فوصفه بعض الباحثين كحالة معقدة تؤدي بطبيعتها إلى تغيرات نفسية وجسدية تؤثر على سلوك الفرد وغالبًا ما ترتبط بمعنوياته وسماته الشخصية.. بينما حاول آخرون التفرقة بين الإحساس والشعور واعتبروا الأول حالة ناتجة عن تحليل عقلي، والأخير يخضع لأحكام العواطف..

 وبعيدًا عن التحاليل النفسية المتخصصة والنقاشات الفلسفية العميقة، أعود لسؤالي الأساسي،.. فقد عشت دومًا في متاهات المشاعر لرجال ونساء عانوا كثيرًا من عذاباتها وكم تورط معهم في التوهان بين شوارعها الضيقة ، وذلك بحكم عملي كمسئولة عن باب حلول المشاكل الأسرية والعاطفية  بمجلة نسائية لأكثر من 9أعوام..

ورغم أنني لا أحمل شهادة موثقة للإدلاء بالفتاوى الغرامية، ولم أجري دراسات أو أبحاث عن حرفي الحاء والباء تؤهلني لنشر نصائح عشقية مضمونة النتائج لكنني بحكم خبرتي العملية اجتهدت وقسمت المشاعر إلى 4أنواع تتحكم كل منها  في ماهية غد أصحابها، أخطرها المشاعر البركانية وهي تلك الأحاسيس المكبوتة التي ينصهر صاحبها دون أن يلاحظه أحد فيدخر كل كلمة، موقف، فعل في خزانة ذاكرته وداخله شرار يشتعل وينطفئ في صمت، فيتوهم من حوله أنه راضي بالقسمة والنصيب.. وبلا مقدمات ولا سابق إنذار يأتيه تعليق في صورة مزحة أو حتى عتاب فينفجر كالبركان على أهون سبب!.. والمشكلة هنا أن هذا الانفجار يحرق الأخضر واليابس من أي علاقة وسرعان ما تتحول معتقداته، اتجاهاته للنقيض بفعل قول نعم على أشياء كان لزامًا عليه قول لا.. 

ومن المشاعر البركانية إلى الزلزالية والنتيجة واحدة وإن اختلفت التفاصيل، فصاحبها يتميز بتقلباته المزاجية العنيفة على اقل كلمة أو فعل  تمامًا كاهتزازات الزلازل الفجائية التي تعرض القلب للدمار على اقل هزة تصدع جداره.. هكذا، تنتهي العلاقة للأبد ومعها يهدم كل مبدأ وقيمة كانت تبنى عليها اختياراته..بعدها، يصبح شخص أخر وكأنك لم تعرفه ولا سبق وأحببته..

أما النوع الثالث من المشاعر فهي المناخية وما أكثر أصحابها في كل العصور، واللذين يغيرون أقوالهم، أفعالهم، مبادئهم، ومعتقداتهم بمنتهى البراعة والسهولة وفقًا لما تمليه التغيرات الموسمية، وكما يبدلون ملابسهم بما يتلاءم مع الفصول الأربعة، تتبدل مشاعرهم أيضًا وفقًا لما تقتضيه المصلحة!..ولا أنكر أن ملاك المشاعر المناخية يحققون مكتسبات منقطعة النظير لكنني دومًا أتساءل عن نظرتهم لذاتهم كلما نظروا في مرآتهم!..  

وأخيرًا وليس أخر، نأتي لأنقى وأكثر الناس اتزانًا وهم أصحاب المشاعر الراسخة واللذين يتميزون بالهدوء والثقة بالنفس فلا يتأثرون بالقيل والقال..  فهم كالأرض الصلبة التي لا تتغير خصائصها بكذبة يروجها احد مهما بلغت درجة فبركتها،.. ولا يعتمدون أبدًا على أحاديث السوشيال ميديا في بناء مفاهيمهم، أو يحدون علاقاتهم وفقًا لكلام وصل لمسامعهم مهما بلغت مكانة قائله.. 

وأنت، إلى أي من المشاعر السابق ذكرها تنتمي؟!،.. فكر جيدًا، وأحذر أن تكون من أصحاب المشاعر البركانية، الزلزالية، أو حتى الهوائية،.. لأنك في هذه الحالة ستصبح فريسة سهلة لأصحاب النوايا المغرضة كي يفقدوك نفسك وأغلى علاقاتك.. وما أكثر العازفين على أوتار المشاعر في زمن قلت فيه الأحاسيس الراسخة..

      

 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط