الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مأزق تيجراي يختبر سلطة آبي أحمد.. سيناريوهات النهاية المتوقعة بين النصر الحاسم وانتشار عدوى التمرد.. 32 ألف إثيوبي يفرون إلى السودان.. وأوضاع إنسانية مأساوية بسبب عنف الاشتباكات

رئيس الوزراء الإثيوبي
رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد

  • آبي أحمد يرفض عروض الوساطة والتدخل الخارجي في الصراع مع تيجراي
  • إطالة أمد الصدام العسكري في تيجراي تهدد بتمرد أقاليم أخرى
  • جبهة تحرير شعب تيجراي تتمتع بخبرة طويلة في حرب العصابات
  • الأمم المتحدة ومنظمات دولية تحذر من مجازر بحق المدنيين في تيجراي
  • 32 ألف إثيوبي فروا إلى السودان هربًا من الحرب في تيجراي


لا تلوح بعد في الأفق تسوية محتملة للصدام العسكري الناشب منذ أسابيع عديدة بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية برئاسة آبي أحمد وجبهة تحرير شعب تيجراي الحاكمة لإقليم تيجراي المتمرد شمالي البلاد، وسط مخاوف تتعلق بسلامة المدنيين وسقوط عدد كبير منهم ضحايا جرائم حرب ومجازر متعمدة، ونزوح عشرات الآلاف منهم إلى السودان هربًا من عنف الاشتباكات.


وفي تحركات كاشفة للنوايا، رفض رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عرضًا من الاتحاد الأفريقي بالوساطة لتسوية النزاع بين الحكومة وجبهة تحرير شعب تيجراي، مصرًا على حسم الموقف بانتصار عسكري كامل عوضًا عن المقاربات السياسية التي كان من شأنها تجنيب المدنيين ويلات الحرب من قتل وتشريد ونزوح.


سيناريوهات النهاية
وبحسب إذاعة "دويتشه فيله" الألمانية، ينظر آبي أحمد إلى الصراع مع إقليم تيجراي باعتباره نموذجًا لما يمكن أن ينتهي إليه تمرد في أحد أقاليم البلاد، فإن أفلت إقليم تيجراي بتمرده انتهت سلطة الحكومة الفيدرالية، وبالتبعية آبي أحمد، على سائر الأقاليم، أما إن أوقع الأخير هزيمة ساحقة بجبهة تحرير شعب تيجراي فستفكر أي حركة متمردة أخرى مرتين قبل أن تقدم على شق عصا الطاعة لحكومة آبي أحمد.


ونقلت الإذاعة عن أستاذ الديمقراطية بجامعة برمنجهام البريطانية نك تشيزمان أن الموقف في إقليم تيجراي ليس حالة معزولة، فإثيوبيا عبارة عن اتحاد فيدرالي بين أقاليم تتمتع بحكم ذاتي نسبي وتضم خليطًا من القوميات والإثنيات لا تتمتع بانسجام كبير فيما بينها، ولذا يحتاج آبي أحمد إلى سمعة (الرجل القوي) القادر على ضرب أي تمرد ضد سلطته قبل أن تنتقل عدواه إلى سائر أقاليم وقوميات البلاد.


من ناحية أخرى، يطرح الكاتب الإثيوبي مارتن بلوت سيناريو مختلفًا، فيقول: "آبي أحمد يصف الصراع مع تيجراي باعتباره "عملا شُرطيا" لفرض القانون والنظام وليس حربًا على الإقليم، لكن إذا ما ثبت خطأ هذا التوصيف واجتاح الجيش الإثيوبي مدن وبلدات الإقليم فسينسحب شعب تيجراي إلى الجبال والمرتفعات، وهو أمر ألفوه واعتادوا عليه خلال العقدين الماضيين بسبب صراعات مع حكومات سابقة، وحينها سيكون آبي أحمد في ورطة أكبر".


وعلى مدى عقود، اكتسبت جبهة تحرير شعب تيجراي خبرة طويلة في تكتيكات حرب العصابات ضد حكومات عسكرية حكمت إثيوبيا حتى عام 1991، ولن يصعب عليها توظيف هذه الخبرة القديمة مجددًا في صراعها مع حكومة آبي أحمد.


وهنا يبرز السؤال عن مدى قدرة جبهة تحرير شعب تيجراي على الصمود لفترة طويلة أمام ضربات الجيش الإثيوبي، ويرى بلوت أن متاخمة إقليم تيجراي للسودان يقدم خدمة لا تُقدر بثمن للجبهة، فلأن الحدود مع السودان طويلة ومفتوحة بلا عوائق طبيعية ولا سيطرة قوية من الحكومة السودانية، يسهل على جبهة تحرير شعب تيجراي تهريب الأسلحة والمؤن وكل ما تحتاج إليه لإدارة معركة طويلة مع الحكومة الفيدرالية.


ويكمن المأزق هنا بالنسبة لآبي أحمد في أنه إن لم يحقق نصرًا سريعًا وحاسمًا في تيجراي، فستفوت عليه فرصة احتواء الموقف وإحباط التمرد، وهو ما من شأنه كشف حدود قوة الحكومة الفيدرالية تحت إدارته، وإغراء أقاليم أو قوميات أخرى بالتقاط عدوى التمرد من إقليم تيجراي.


رعب المجازر
وحذّرت تقارير إعلامية ومنظمات حقوقية من مجزرة في إقليم تيجراي بإثيوبيا، وسط أنباء عن استعداد الجيش الإثيوبي لشن هجوم عنيف على ميكيلي عاصمة الإقليم.


وأكد مسئول كبير بالجيش الإثيوبي، أن قواتهم ستهاجم ميكيلي عاصمة تيجراي، والتي يسكنها نحو نصف مليون مدني، وذلك بعد 72 ساعة من مهلة حكومية لقادة إقليم تيجراي للاستسلام.


وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية "فرانس برس" أن احتمال هجوم الجيش الإثيوبي على ميكيلي، فضلا عن العدد الكبير من النازحين بسبب صراع تيجراي، يقلق المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان.


ودعت منظمة العفو الدولية جميع أطراف الصراع الإثيوبي لعدم مهاجمة المدنيين، والذي يمثل جريمة حرب في القانون الإنساني والدولي.


من جانبها، أعربت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن قلقها من تصاعد الخطاب العدواني بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير شعب تيجراي، المطالبة باستقلال الإقليم، وحذرت المنظمة من مزيد من الانتهاكات الإنسانية.


بدوره، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش عن قلقه من هجوم عسكري محتمل على عاصمة تيجراي، داعيا قادة إثيوبيا إلى بذل كل ما في وسعهم لحماية المدنيين واحترام حقوق الإنسان.


في المقابل، أعرب نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في إثيوبيا عن قلقهم إزاء اتجاه حكومة آبي أحمد لارتكاب "مجزرة" في ميكيلي عاصمة تيجراي البالغ تعداد سكانها 500 ألف نسمة، مطالبين المجتمع الدولي بالتدخل لمنع الرجل الحائز على جائزة نوبل للسلام من ارتكاب جريمة حرب.


الأوضاع الإنسانية
وتستعد وكالات الإغاثة الدولية لاستقبال 200 ألف نازح إثيوبي فرّوا من أتون الحرب في إقليم تيجراي، وأعلنت وكالة الأمم المتحدة لشئون اللاجئين الجمعة نزوح حوالي 32 ألف إثيوبي إلى السودان هربًا من النزاع المسلح الدائر بين حكومة أديس أبابا والسلطات المحلية في إقليم تيجراي.


وأكدت الوكالة بدء استعداداتها لتلقي ما يصل إلى 200 ألف لاجئ آخر خلال الستة أشهر القادمة، وقال أكسيل بيشوب، ممثل الوكالة في السودان: "لا أحد في هذه المرحلة يمكنه التنبؤ بأعداد اللاجئين الذين سيأتون (إلى السودان)".


ووصل عدد النازحين من تيجراي إلى المناطق الحدودية النائية في السودان إلى خمسة آلاف شخص يوميًا في وقت يستمر فيه القتال بين الجيش الإثيوبي والقوات المحلية في الإقليم.


وقال حميد نورو، ممثل برنامج الغذاء العالمي في السودان: "ما هو واضح بالتأكيد أن القتال مستمر ومتقطع، ولا نعرف أبدا أين سيحدث. لذا فإن هذا الترقب وعدم المعرفة هو ما يسبب المزيد من الخوف ويجعل الناس يعبرون الآن".


وأضاف نورو أن بعض المقاتلين قد تخلوا عن أسلحتهم وانضموا للاجئين النازحين، وهو ما يشكل خطورة على الوضع داخل السودان، وطبقًا لعبد الله فضل، ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" في السودان، فإن الأطفال تحت سن 18 عامًا يشكلون نحو 45% من اللاجئين.