الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الجلوس في مقعد الضحية


هل يمكن لامرأة أن تمارس العنف ضد نفسها؟!،.. قد يبدو السؤال صادمًا خاصة وأنني لا أتحدث عن نساء ارتضين بالمهانة والقهر جراء بيئة اجتماعية تفرض عليهن الخنوع والصمت، ولا قوانين ظالمة تحرمهن من حقهن في عيشة سوية، ولا أتطرق لسيدات تعانين المرض النفسي، ولا ما يعرف بالشخصية المازوخية!.. لكنني أتكلم عن عدد ليس بالقليل من إناث يتعرضن ليل نهار للإذلال العشقي، بل والأسري سواء من أب، أخ، زوج أو حتى حبيب وبمحض وكامل إرادتهن يستسلمن لكل أنواع الأذية العاطفية.. بعدها،.. يصرخن بأعلى صوت من وجع مكبوت في القلب!..


أقول هذا الكلام بمناسبة متابعتي لحكاوي بعض النساء خلال اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة وما يصاحبه من فعاليات لمدة 16 يوما من المقرر أن تنتهي في العاشر من ديسمبر أي في اليوم العالمي لحقوق الإنسان!..


فرغم ما تبذله الحكومة المصرية من مجهودات لمواجهة كافة أشكال العنف ضد المرأة بدءًا من دستور يساوي بينها وبين الرجل في الحقوق والواجبات ويلزم الدولة بحمايتها من كل أشكال العنف وفقًا لما نصت عليه المادة 11منه، وحزمة قوانين تجرم جميع ما يمثل انتهاكًا ضد المرأة منها قانون يحميها من الاغتصاب، هتك العرض، والتحرش الجنسي، ويعرض فاعله للسجن ويصل للأشغال الشاقة المؤبدة في بعض الحالات، مرورًا بقانون يغلظ عقوبة الختان، وآخر يجرم زواجها المبكر.. فضلًا عن قانون يتصدى لكل من تسول له نفسه لحرمانها من الميراث..  ونصوص تشريعية مستحدثة لمكافحة الجرائم الالكترونية بكافة أنواعها.. هذا غير مجموعة من الاستراتيجيات الوطنية التي لا تعد ولا تحصى، وتهدف جميعها لتمكين المرأة وحمايتها من ما يؤثر بالسلب على وضعها الاجتماعي، الصحي، والاقتصادي.. ووجود مجلس قومي للمرأة يعد بمثابة حائط صد لكل ما يهدد كيانها، إلا أن جميع ما سبق ذكره لم يكن كافيًا لمنع بعض النساء من الجلوس بمقعد الضحية!..


إنه مقعد ضد الكرامة الإنسانية، ارتضته امرأة قبلت بقسوة زوج، أو حبيب ليس لظروف مادية، أو اجتماعية تجبرها على الاستمرارية، إنما لفقدانها الاستقلال المعنوي اللازم لرفض العذاب..  ولو سألت أحدهن عن سر إبقائها مع رجل لا يحترمها أو يقدر عطاءاتها أجابت  "القهر قدر النساء وكل الرجال على نفس المنوال".. وأخرى تنازلت عن ميراثها لأب، أخ، أو زوج، ليس لحاجة أحدهم للمال أو امتلاكها لما يغنيها، إنما خوفًا من وحدتها دون عزوة حال غضبهم عليها، وإن باغتها بسؤال عن جدوى تنازلها بررت موقفها بمفاهيم دينية مغلوطة، وتفسيرات ليس لها أي علاقة بصحيح الشرع .. تلك الشخصيات النسائية تمارس العنف بجدارة منقطعة النظير على ذاتها، فلن يصلح معها قانون أو إستراتيجية لحمايتها..


فببساطة التشريعات القانونية والقائمون على تفعيلها لن يطرقوا بابها إلا لو فتحت هي لهم نافذة إرادتها، وبكل ما أوتيتِ من كبرياء وعزم أزاحتِ غبار العواطف الهزيلة من على عينيها المتعبتين من ضعف الرؤية.. وبدلًا من البكاء والعويل على دور الضحية الذي تلعب بطولته أمام زوجها ، أبنائها، أو حتى أقاربها، وثقت أكثر في ذاتها، واستقبلت غدها بنفسية مستقلة..

 
وبعد كل ما قيل ويقال،.. أليس العنف الأخطر ضد المرأة هو ما تمارسه هي  ضد نفسها ، ليت كل مهتم بقضايا النساء يتكاتف تحت مظلة حملة قومية لتدريب الإناث على الاستقلال المعنوي.. فالمشاكل المادية يسهل حلها بتوفير عائد شهري مناسب يحميها من السكوت على الوجع لكن فقدانها للاستقلالية النفسية لن يمنع عنها العنف ولو اجتمعت على حمايتها كافة قوانين وتشريعات الأرض. 
   
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط