اختلف العلماء في تفسير قوله -تعالى-: «أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ» من الآية الكريمة «يَآأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا» (النساء:43)، وحقيقة اللمس: إلصاق الجارحة بالشيء، وهو عُرْفٌ في اليَد؛ لأنَّها آلَتُه الغالبة.
وقال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن العلماء اختلفوا في المراد بـ«لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ»، فذهب الإمام أبو حنيفة -رضي الله عنه- إلى أنَّ اللمس هنا بمعنى الجِمَاع، واستدل بما رود عن أمِّ المؤمنين السَّيدة عائشة -رضي الله عنها- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «قَبَّل بعض نسائه، ثُمَّ خرج إلى الصَّلاة فلم يتوضَّأ» (رواه: الدارقطني)، وعليه؛ فهو يرى أنَّ مجرَّد اللمس العادي لا ينقض الوضوء.
وواصل: بينما يرى الإمام الشَّافعي -رضي الله عنه- أنَّ المراد باللمس: المباشرة، وهي أن يُفضي الرَّجل بشيءٍ من بدنه إلى بدن المرأة، سواء كان باليد أم بغيرها من أعضاء الجسد، وكذا إن لمسته هي، ودليله ظاهر الآية الكريمة: «أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ» فإنَّها لم تُقيَّد بشهوة أو بغير شهوة، فمجرَّد اللمس ينقض الوضوء.
وأكمل: وقد جَنَح إلى التَّفصيل الإمام مالك وكذا الإمام أحمد؛ فقالا: إن اللمس بتلذُّذ بشهوة ينقض الوضوء، إما إن كان بغير بشهوةٍ وتلذُّذ فلا ينقض الوضوء؛ ويؤيِّد ذلك ما ورد أيضًا عن أمِّ المؤمنين السَّيِّدة عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كنتُ أَنَامُ بين يَدَي رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَرِجْلايَ فِي قِبْلَتِهِ فإذا سَجَدَ غَمَزَنِي، فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، وإذا قام بَسَطْتُهُمَا، وَالبيوتُ يومئذٍ ليس فيها مصابيح» (متفق عليه)، فهذا دليل صريح في أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يُلامس، ولم يُنتقض وضوؤه؛ لاستمراره في الصَّلاة، فبيَّنت السُّنَّة النَّبوية المُطهَّرة أن الملامسة دون التلذُّذ والشَّهوة لا تنقض الوضوء.
وأردف: وممَّا سبق تبيَّن أنَّ: لمس الرَّجل زوجته بتلذُّذ وشهوة ينقض الوضوء؛ فيكون لمسه للمرأة الأجنبيَّة -التي لا تحلُّ له- بتلذُّذ وشهوة ينقض الوضوء من باب أولى، أما مجرَّد اللمس بغير شهوةٍ ولا تلذُّذ فلا ينقض الوضوء.
واستطرد: ويكون بيان الآية على ذلك: أنَّ قوله تعالى: «وَلَا جُنُبًا» أفاد الجِماع، وأنَّ قوله: «أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ» أفاد الحَدَث، وأنَّ قوله: «أَوْ لَامَسْتُمُ» أفاد اللمس، فصارت ثلاث جُمَل لثلاثةِ أحكام، وهذا غاية في العِلم والإعلام، ولو كان المراد باللمس الجماع لكان تكرارًا، وكلام الحكيم يتنزَّه عنه.
هل المصحافة تنقض الوضوء؟
بدره، أفاد الشيخ أحمد ممدوح، مدير إدارة الأبحاث الشرعية وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، بأن العلماء اختلفوا في أن مصحافة المرأة للرجل الأجنبي تنقض الوضوء.
وذكر «ممدوح»، أن الإمام الشافعي رأى أن المصحافة بين الرجل والمرأة الأجنبية تنقض الوضوء، أما الأحناف فرأوا أنها لا تنقض الوضوء لأن المقصود عندهم باللمس في قوله تعالى: «أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ» الجماع وليس المصافحة، موضحين أن الآية فيها إشارة خاصة بذلك.
وأوضح أن الإمام مالك وأحمد بن حنبل رأيا أن المقصود بقوله تعالى: «أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ» المصافحة وحددوا لها شروطًا، فإذا كان اللمس بشهوة ينقض الوضوء وإن لم يكن بشهوة لم ينقض.