الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

«ثورة الياسمين».. على مأدبة الغذاء

بعبقريته الفريدة، وصف الرئيس الراحل أنور السادات خصومه فى معركة ١٩٧١ بـ “الغباء السياسى” عندما أرادوا التنكيل به من السلطة والانفراد الكامل بمفاصل الدولة .. وقبل أن يعصفوا بالفلاح اللئيم خارج الرئاسة، اقتلعهم بـ “فأس” المكر والدهاء من مناصبهم وأطاح بكل المعارضين فى سلة واحدة ليفجر “ثورة التصحيح” ويكتب نهاية مراكز القوى!.
نفس اللعبة الذكية أتقنها الرئيس التونسى قيس سعيد بتصفيته لنواب البرلمان وتطهيره من عناصر حركة النهضة الإسلامية .. وباغت الجميع بسلسلة من الإقالات الجماعية فى الحكومة واستبدالها بوجوه جديدة أكثر نظافة ونزاهة بعد أن فاحت رائحة الفساد واستغلال النفوذ والتربح المالى بمختلف درجاته، وبما يجرد ثورة الياسمين الخضراء من نبلها ومشوارها الوردى .. ومبدئيا نجح “سعيد” فى استئصال بؤر الانحراف السياسى من الحياة الدستورية، وقرر فتح صفحة جديدة بيضاء مع الشعب وإعادة ترتيب البيت من الداخل على أسس وقواعد أكثر صلابة وسلامة .. واختيار التوقيت بالغ الأهمية والعالم يتشكل من جديد على تقويض أركان تيار الإسلام السياسى وتحجيم خطورته على استقرار ومرونة الدولة المدنية .. وإذا كانت نماذج قد استمرت فى الحكم تحت عباءة “الدين”، وحصدت قسطا من النجاح والتفوق والبقاء، فتظل استثناء وظرفا ولايُقاس عليها قدرة الجماعات الدينية على الصمود فى المعارك السياسية وتحديات بناء دولة “المؤسسات والقانون”.
ولاتزال التجربة التونسية على المحك بعد تحرك الرئيس “القاضى” لإنقاذ ما تبقى من أحلام وتطلعات البسطاء نحو وطن للجميع وليس “ثلة” من المنتفعين .. ويخطط “سعيد” لتشكيل حكومة كفاءات ذات “ضمائر وطنية” تزرع الأمن الاجتماعى وتحقق العدالة المنشودة وتقطع أصابع السرقة و”السطو الأنيق” على ممتلكات الشعب وأموال الفقراء .. وهذه هى المرحلة الأولى من الخطة .. أما الجزء الأكثر ضرورة فى “قصة شعب” فمرهون بإرادة التونسيين أنفسهم وبراعتهم فى تحديد مصيرهم ورسم مستقبل أجيالهم .. ولذلك لامفر من الإسراع فى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة لاختيار نواب جدد وبمواصفات دقيقة وقاسية تضمن شفافية أدائهم البرلمانى وتمثيلهم لمصالح الناخبين بصدق والتزام وشرف .. والانتخابات فرصة لاختبار نضج المواطن السياسى بعد سنوات المشقة والزحف الثورى واقتران جائزة “نوبل للسلام” بأعظم ثورة عربية انتصرت على الاستبداد وصنعت المستحيل فى وقت من الأوقات .. وهاهو الرئيس العجوز يمنح الشباب “صك” التغيير و”مفتاح” الإصلاح فى فترة اجتاحتها رياح الغضب وأعاصير احتكار السلطة والرؤية السياسية الأحادية .. ولقاء التونسيين عند صندوق الاقتراع هو المعيار الوحيد والرد العملى لـ “المبادرة الرئاسية” فى تصحيح المسار وتصويب خطايا “طيور الظلام” .. إنه صوتك أيها المواطن .. وفرزك الشريف لكل مرشح أو حزب أو نائب منتظر .. ثم الرقابة الصارمة من البرلمان والوضوح الزجاجى فى أداء الحكومة فضلا عن يقظة أجهزة الدولة بكل مؤسساتها الرسمية والقانونية دون تفريط أو تساهل فى حقوق الشعب ومقدراته!.
- كانت هذه هى دعوة الرئيس التونسى لشعب “الياسمين” على مأدبة الغذاء التى قدم فيها “الفاسدين” على أطباق شهية قبل أن يكون هو “وليمة” العشاء من إعدادهم .. وآن لصاحب البيت أن ينهض بمعدة ممتلئة بالشبع ويحمى المائدة من المأكولات السامة والأصناف الملوثة .. وليتحول ما بأمعائه إلى فضلات مصيرها “قمامة التاريخ”!

 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط