الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

طريق الكباش ومليار مشاهد حول العالم

نهال علام
نهال علام

معروفة كتاباتي بأنها ذات مقدمات طويلة وتقديمات عميقة لكن لن أعتمد اليوم تلك الطريقة، ولا أنتوى في سطوري القادمة أن أهدر دقيقة دون سرد الحقيقة.

 

تعلقت عيناى بشاشة العرض كمليار مشاهد حول العالم، وتشبث قلبي بما رأيته من تفاصيل كملايين من عشاق هذا الوطن ،وطرِب عقلي لسماع صوت أجدادي وخَطَف وجداني الفخر المرسوم على ملامح أولادي ، وذلك في ليلة الخامس والعشرين من نوڤمبر ،ليلة ضحك فيها القمر وانقشعت الغيوم فابتسمت السماء وندت عن جبينها النجوم التي تلألأت راقصة لتفسح المجال ليغزو نور الحضارة المصرية جنبات الكون في تلك الليلة ذات الهوية الفرعونية التي نحملها في خلايانا الإنسانية.

 

تابعنا افتتاح طريق الكباش بقلوب مشدوهة للماضي الذي امتزج بالحاضر فاختلط علينا الأمر ،هل عدنا آلاف السنين أم أننا استحضرنا تلك السنين ! 


وبينَ البينين لا يقين إلا إننا في حضرة الأجداد نباهي بما فعله الأحفاد ،للمرة الأولى نقدم لهم صنيعاً بعد آلاف السنوات التي عشناها نقتات على ما قدموه لنا كحق مكتسب لورث الابناء للأباء.

 

شهدت مِصر عصور طويلة من ادارة ثروتها التاريخية بمبدأ (أكل العيش ) اكتشافات أثرية وكنوز ثرية نستخرجها بفكر التاجر ،اصرف على التنقيب فتفتح لك السياحة ابوابها كتعقيب ،أثار يتم ترميمها حتى لا تفقد مساهمتها في العجلة الاقتصادية ،أما القيمة الثقافية فحدث ولا حرج فتلك التماثيل التى تواجه السماء أو "المساخيط "التي ترقد في باطن هي من باب " السبوبة " ولا غرض منها إلا توفير السيولة النقدية وخاصة للعملات الأجنبية.

 

وفي ذلك إهانة لتاريخ حافل بذل فيه الأجداد الغالي والنفيس ليتركوا لنا مجداً من حقنا استغلاله مادياً ومن ابسط حقوقهم أن نشعر بقيمته معنوياً ،قيمة لا تخضع للقياس بامتحان في مادة التاريخ ولا بالدرجات النهائية في مادة التربية القومية ،ولكنها قيمة روحانية تشعر فيها بانعكاس صورتك في عيون الملوك وتري روحك في قسمات الملكات ،وتستعيد مجدك من حكاوي الجدران ،ولكن كيف لنا هذا ونحن على بُعد آلاف السنوات الرقمية وملايين السنوات العقائدية التي تفضل الابتعاد عن شبهة ما أسماه معدومي الهوية بالوثنية؟

 

ولكن في النهاية لا يصح إلا الصحيح وهاهي تلك الجرائم النفسية تقتص منها الإرادة المصرية بالعمل الهادئ من قبل الإرادة السياسية ،فكان احتفال طريق الكباش بمثابة لطمة على وجه كل بكاش يدعي مِصريته ولا يشعر بهويته.

 

سنوات طويلة من طمس التاريخ والتوقف عن التأريخ ،وسرقة الهوية ومتاحف عالمية تعرِض الأثار المصرية المنهوبة دون خجل ،فالنية لم تكن خالصة والمجال كان مفتوحاً لنباهي بالآثار المسلوبة  التى لم تكن إلا عبئاً على كاهل أمة منكوبة ثقافيا ،استطاعت بالقيادة الحكيمة ان تحول مدينة الأقصر لأكبر متحف آثار مفتوح في العالم.

 

عقود طويلة من المآسي مرّت على تلك التركة التي لا يهملها قاسي ،وها نحن اليوم نحيا في العصر الماسي  لاستعادة الهوية المصرية والحفاظ على بصمتنا الثقافية واستكمال مسيرة أجدادنا الحضارية ،قدمت مِصر للعالم لوحة مبهرة ومبهجة اجبرت العالم أن يتابع ويراقب مجد المصريين بشغف ،كُنا للأمس القريب ورثة الجمال والعظمة واليوم أجبرنا العالم على الاعتراف بأننا صناعه.

 

حالة من الإيجابية انتشرت كالنسيم بين قلوب متابعي الحدث ،ملايين الصور التى تناقلت عبر مواقع التواصل الاجتماعي تنطِق بروعة التنفيذ والصور الفنية الرائعة التى شاهدناها في الحفل ،وانعكست تلك المعنويات المرتفعة على الأفكار المطروحة ،فهذا الحدث العظيم قطع الطريق على أصحاب الأخبار المطبوخة على نار الفتنة وفتح شبابيك الأمل للأفكار البناءة.

 

ولعل أبرز ما جاء فيها هي تعليم اللغة القبطية في المدارس ولو بشكل تعريفي في إطار بسيط ، وذلك بعد أن أطلق زناد الحلم فأصبح طلباً منطقياً بل واتمنى أن يتم إضافة الكتابة باللغة الهيروغليفية في كل اللافتات الترحيبية بالمطارات ومداخل المحافظات المصرية ،نتحدث لغة أجدادنا دون أن ندري أن كثير من مفرداتنا اليومية هي اللغة الهيروغليفية ،أما أنشودة أمون أو مهابة ايزيس من موكب المومياوات فلم لا تكون هي أول من يستقبل السائح في المطار عن طريق الإذاعة الداخلية وأيضاً داخل الطائرات المصرية لتكوِّن الهوية السمعية للأراضي المصرية ..


ولما لا نرتفع بسقف الأحلام وتخصص الهيئة المصرية للإعلام برنامج تلفزيوني لعرض ما يتعلق بالحضارة الفرعونية بشكل مبسط يتوافق مع كل الفئات المجتمعية ،كما يمكن تخصيص محطة إذاعية متخصصة فنحن رواد في هذا المجال لدينا إذاعة صوت العرب والإذاعات الموجهة التي تخاطب عدة دول في القارة الافريقية.

 

إنها مِصر يا سادة التي لا تهدأ ولا تنام فإذا استعرضنا أجندة الوطن في أيام قليلة نجد أن مِصر متواجدة يومياً على الساحة الدولية بأخبار بهية تبرهن على إنها دولة أبية.


في عام واحد خطفت مِصر قلوب البشرية بتقدير وإعزاز حضارتنا الفرعونية ،فشكراً لكل من ساهم في تقديم تلك السيمفونية التى تؤكد أننا نحيا على أرض دولة قوية تضافرت فيها جهود كل الجهات المعنية لترسم تلك اللوحة العفية لمصر الشابة الحلوة القوية.