الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

شيخ الأزهر عن أزمة المناخ: التقدم المادي فى القرن الماضي لم يواكبه تطور خُلقي.. حماية الأرض أمانةٌ وضعها الله بين يدي الإنسان ولكن عُنفه في التعامل اللاأخلاقي مع الطبيعة سبب كوارث

فضيلة الإمام الأكبر
فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر
  • شيخ الأزهر عن أزمة المناخ:
  • الأزمة الجديدة التي تضرب عالمنا اليوم هي أزمة البيئة والمناخ
  • حماية الأرض أمانةٌ وضعها الله بين يدي الإنسان ونهاه نهيًا صريحًا عن الإفساد فيها
  • المسئول عن هذه الكوارث هو «الإنسان»، وعُنفه في التعامل اللاأخلاقي مع الطبيعة وكائناتها الإنسانيَّة وغير الإنسانيَّة
  • عالم الإنسان والحيوان والنبات والجماد هي عوالم حيَّة تعبد الله وتُسبِّحه بلُغاتٍ مختلفة
  • موقف الفكر الإسلامي من أزمة المناخ يتأسَّسُ على ضوءِ نصوص قرآنيَّة شديدة الوضوح في تقرير وجوب احترام البيئة وجوبًا شرعيًّا
  •  التقدم المادي الذي تميز به القرن الماضي لم يُواكبه تقدم مواز في المجال الخلقي الإنساني
  • توقع الفلاسفة والمفكرون خطرا ماحقا سيحل بالإنسانية بسبب إزدواجية التقدم المادي والتقهقر الخلقي
  • خيبة الأمل كانت أقسى وأمر في القرن العشرين بسبب السجل الدموي
  • التطور التقني في مجالِ صناعة الأسلحة افتقر لتفعيل القيم القادرة على ضَبْطِه في الاتجاه الإنساني الصحيح

 

عقدت جامعة الأزهر اليوم، السبت، مؤتمر التنمية المستدامة تحت عنوان  «تغير المُناخ؛ التحديات والمواجهة»، والذي يناقش عددًا من المحاور ممثلة في تغير المناخ والطاقة، وتغير المناخ والصحة، ودور الانبعاثات الكربونية في تلوث البيئة، والتلوث وآثاره على المناخ، والتكيف الفعال، وتغير المناخ والصناعة، وتأثيرات الاحتباس الحراري على المناخ وأسبابه، واحتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه، والاستدامة وتغير المناخ، والحلول العملية لتغير المناخ، وتغير المناخ والمياه، وتغير المناخ والزراعة، ودور الأسرة والمؤسسات التعليمية والتربوية في التوعية بخطورة تغير المناخ، ودور القيادات الدينية في التوعية بضرورة الحفاظ على البيئة، ودور السياسات العالمية في تهيئة الجو المناسب لرفع التوعية بالمشكلات البيئية والمناخية.

وقال فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إنَّ الأزمة الجديدة التي تضرب عالمنا اليوم هي أزمة البيئة والمناخ، وإن أخطارها من ارتفاع درجات الحرارة، واندلاع الحرائق في الغابات، وسقوط الثلوج في البحار والمحيطات، وانقراض كثير من أنواع الحيوان والنبات، كل ذلك بدأت تظهر بوادره واضحة للعيان، وبصورة مزعجة حملت المسئولين في الشرق والغرب على إطلاق صيحات الخطر، وعقد المؤتمرات العالمية من أجل التصدي لأسباب هذه الكارثة، والعمل الجاد على منعها وتجريم مرتكبيها.

وأضاف فضيلة الإمام الأكبر، خلال كلمته في مؤتمر جامعة الأزهر «تغير المُناخ؛ التحديات والمواجهة»: “الذي يهمني تسجيله في هذا المقام هو أوَّلًا: ما نقرأه عن إجماع الفلاسفة أو شبه إجماعهم على أن المسئول عن هذه الكوارث هو «الإنسان»، وعُنفه في التعامل اللاأخلاقي مع الطبيعة وكائناتها الإنسانيَّة وغير الإنسانيَّة، وتسخيرها لمصلحتِه ومنفعته الخاصة سواء كان هذا الإنسان أفرادًا أو شركات أو دولًا ذات بأس لا تنظر إلَّا لما تحت قدميها.. وثانيًا: التأكيد على أن موقف الفكر الإسلامي من هذه الأزمة، وهو موقف يتأسَّسُ على ضوءِ نصوص قرآنيَّة شديدة الوضوح في تقرير وجوب احترام البيئة وجوبًا شرعيًّا، انطلاقًا من أنَّ عوالم الوجود الكوني الأربعة، وهي: عالم الإنسان والحيوان والنبات والجماد، ليست، كما تبدو في ظاهرها، عوالم مَيتة، بل هي عوالم حيَّة تعبد الله وتُسبِّحه بلُغاتٍ مختلفة لا يسمعها الإنسان ولا يفهمها لو قُدِّرَ له سماعها”.

ولفت فضيلة الإمام الأكبر إلى أن قصَّة بدء الخلق في القرآن الكريم تقرِّر أنَّ الإنسان حين أهبطه الله إلى الأرض، فإنما أهبطه بوصفه خليفةً عنه تعالى، أي: مسؤولًا عمَّا استخلفه اللهُ فيه ومُكلَّفًا بحماية الأرض من الإفساد فيها؛ إذ هي أمانةٌ وضعها الله بين يديه بعدما هيأها وأصلحها له وسخرها لمصلحته ونهاه نهيًا صريحًا عن الإفساد فيها فقال: "وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" [الأعراف: 85].

وأكد شيخ الأزهر أن القرآن الكريم لفت أنظارنا، ومنذ خمسة عشر قرنًا من الزمان، إلى أنَّ بعض النَّاس سيفسدون في البر والبحر وأن الله سيذيقهم من جنسِ إفسادهم لعلهم ينتهون عن إفسادهم: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" [الروم: 41]. وفي هذه الآية ما فيها من إعجازٍ وصف الواقع الذي يعيشه النَّاس اليوم وتصويره تصويرًا دقيقًا.

وَذَكَّرَ شيخ الأزهر بتحذير القرآن الكريم من أنَّ فتنة الفساد في الأرض إذا وقعت فإن كوارثها لا تقتصر على المتسببين وحدهم، وإنَّما تكرثهم وتكرث معهم من سكت على جرائمهم: "وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" [الأنفال: 25].

وقال فضيلته إن التقدم المادي الذي تميز به القرن الماضي، وعد من أعظم مكاسب البشرية على الإطلاق، وفضل به هذا القرن على سائر القرون، لم يواكبه - للأسف - تقدم موازٍ في المجال الخلقي الإنساني، وهو الجانب المعول عليه في تصحيح مسار الإنسانيّة وتقويم سلوكها حين يلتبس عليها الخير بالشر في الفكر، ويختلط الحسن بالقبح في الفعل.

وأضاف أنه إزاء هذه المفارقة المعكوسة في ضبط العلاقة بين التقدم المادي والتقهقر الخلقي في حضارة الإنسان المعاصر، توقع الفلاسفة والمفكرون خطرا ماحقا سيحل بالإنسانية كلها، وقد يعود بها إلى عصور ما قبل التاريخ.. وقد نبَّه كثيرٌ منهم إلى أن هذا الخطر بدأت تبدو نُذُره على استحياء مع حلول القَرنِ التاسع عشر، وهو القرن المعروفُ بقرن مذهب النشوء والتطر، والانفجار المعرفي في المذاهب العلمية، والمدارس الفلسفية على مختلف مشاربها، بل قرن الثورةِ على المظالم الاجتماعية وعوامل التخلف البشري، لكنه -مع كل ذلك- كان قرن التوسع في استعمار الشعوب، والتسلط على مقدراتها وسرقة ثرواتها، وتدمير قيمها وثوابتها، بل كان القرن الذي سخر فيه «العلم» بموضوعيته وحياديته لخدمة مطامع الاستعمار ونزاعاته السياسية، يدلنا على ذلك الدعوات العلمية الزائفة التي كانت تروج في ذلكم القرن لامتياز أجناس الشمال وتفوقها العقلي والحضاري على سائر الأجناس البشرية، وأن الجنس الآري هو صاحب الفضل الأوحد «في كل فتحٍ من فتوح العلم والثقافة والحضارة» قديمًا وحديثًا، وأنَّ أمريكا نفسها -فيما يقولُ عملاق الأدب العربي الحديث: العقاد-: «لم تخل من نصيبها من هؤلاء الدعاة، وكيف لا! وقد كانت ميدان نزاعٍ بين الأجناس البيضاء والحمراء والسوداء، بل ميدان مفاخرة بين المهاجرين الآباء أنفسهم، ممن ينتمون في أنسابهم إلى أصول متباينة مثل: السكسون واللاتين وأُمم الشمال والجنوب».

ولفت الإمام الأكبر إلى أنه مع القرن العشرين توقع الناس أن يكون ما حدث وسيحدث من تقدم علمي وفلسفي وثقافي قادرا على تربية الإنسان وتهذيب أخلاقه وترقية مشاعره، وكفيلا بكفكفة نوازعه في الغلبة والتسلط والاستقواء على الآخر، غير أن خيبة الأمل كانت أقسى وأمر من سابقتِها.. فلم يكد ينتصف هذا القرن حتى سجل تاريخه الدموي، وقوع حربين عالميتين، ذهب ضحيتهما ما يقرب من ثمانين مليونا من القتلى من خيرة الرجال والنساء والشباب، دون مبرر منطقي، ولا سبب معقول، اللهم إلا انحراف الفكر وموت الضمير، وغطرسة الأنانية، ونزعات العرق والتفوق العنصري في أوروبا؛ وزاد الطين بلة، ظهور الردعِ النووي، ليمثل رعبا جديدًا، وليمكن قلة من الأغنياء بأن يستأثروا بثروات الأكثريّة السّاحقة من الفقراء. ثم أطل القرن الواحد والعشرون بسياسة استعمارية جديدة، شديدة العنف والقسوة، ما أظن أن أحدا يجادل في أنَّنا، نَحْنُ العربَ والمســــلمين، نعيــــــــــش تبعـــــــــــاتها -اليوم- واقعا حزينا ممزوجا بالدم والتراب والدموع والخراب.

ونوه الإمام الأكبر إلى التذكير بما اقتنع به كثيرون من حكماءِ الغرب والشَّرق المعاصرين، وفرَغُوا من إثباتِه كحقيقة لا تقبل الجدل، هي: أنَّ التقدُّمَ العلمي -ولسوء الحظ- لم يواكبه تقدم مُوازٍ في الأخلاق، وأن التطور التقني وبخاصة في مجالِ صناعة الأسلحة الفتاكة، جاء خالي الوفاض من كل القيم القادرة على ضبطه في الاتجاهِ الإنساني الصحيح، بل لوحظ أن الحروب يزداد سعيرها كلما ترقى العلم في سلم التطور، حتى صار التقدم العلمي واندلاع الحروب كأنهما فرسا رهان، يسابق كل منهما الآخر ليسبقه. 

وفي نهاية كلمته، تقدم فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بخالص الشكر الجزيل للرئيس عبد الفتاح السيسي، على تكرمه بوضع مؤتمر جامعة الأزهر تحت رعايته الكريمة، مما كان له أكبر الأثر في إتمام هذا المؤتمر على هذا الوجه المشرف إعدادًا ودقَّةً ونظامًا.

وتعقد جلسات مؤتمر جامعة الأزهر، المؤتمر العلمي الثالث للبيئة والتنمية المستدامة، تحت عنوان: «تغير المُناخ؛ التحديات والمواجهة»، على مدار ثلاثة أيام (السبت، الأحد والاثنين)، من 18 إلى 20 ديسمبر 2021م، بقاعة المنارة بالتجمع الخامس، انطلاقًا من سعى الأزهر الشريف لعقد عدد من المؤتمرات والندوات وورش العمل تمهيدًا وتحضيرًا ودعمًا لمؤتمر الأمم المتحدة COP27 الذي تستضيفه مصر بمدينة شرم الشيخ في نوفمبر 2022م.