الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أمم أمثالكم

نيفين منصور
نيفين منصور

تابعنا منذ أيام الجدل الكبير الذي أثير بسبب استغاثة نائب رئيس اتحاد الرفق بالحيوان والتي قامت بنشرها علي صفحتها الرسمية علي موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ورصدت فيها واقعة حدثت في التجمع الأول بقيام إحدي السيدات المقيمات بالمنطقة بوضع أقفاص حديدية كبيرة بغرض استخدامها كمصائد لاصطياد الكلاب الضالة ونقلها إلي الصحراء.

 وأعلنت أن عدد كبير من الكلاب تم تطعيمها وتعقيمها بغرض الحد من تكاثر أعدادها في المنطقة لحماية السكان أثناء التجول في الشوارع وخصوصاً أن البعض يصاب بالرعب بسبب كثرة تواجد الكلاب الضالة وانتشارها علي شكل تجمعات بأعداد كبيرة .

واستنكرت نائب رئيس الاتحاد هذا التصرف الفردي ،، ووصفته بأنه مخالف للقانون وضد الرحمة بالحيوان .

وانهالت التعليقات عليها بعضها إيجابي والآخر شديد السلبية وبأسلوب ساخر وهجومي أحياناً. الأمر الذي لفت الانتباه لضرورة إعادة النظر في طريقة التعامل في هذا الملف المهم والذي يعاني منه عدد كبير من المواطنين.

البعض رأي أن قتل الكلاب هو الحل الأمثل والبعض الآخر رحب بالإلقاء بهم في الصحراء دون التفكير في حرمانية هذا الأمر ورأي الشرع في كيفية التعامل الأمثل مع تلك المشكلة التي تؤرق الجميع سواء من يدعو للرفق بالحيوان أو من يدعو للتخلص منها دون رحمة.. وعندما تحدثت عن هذه الواقعة هوجمت  من البعض لاعتراضي علي ما فعلته تلك السيدة صاحبة المصائد .. علي الرغم من أنني لم أعترض علي فكرة إيجاد حل لتقليل أعدادها والحد من انتشارها في تجمعات تضر المارة في الطريق العام بل كان اعتراضي الوحيد هو ضرورة احترام القانون والشرع  وعدم إجازة الصيد في الشوارع دون تصريح أو ترخيص من الجهات المسئولة.

واستغربت من ردود الفعل العجيبة التي تناست أن المولي عز وجل يراقب أفعالنا جميعا وأن هناك مباديء شرعية وقواعد متعددة تنظم التعاملات بين البشر بعضهم بعضا، وبين البشر والمخلوقات الأخري .. يقول المولي عز وجل في كتابه الكريم (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ مَا فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الْأَنْعَام]والآية الكريمة توضح التشابه في فصول الحقائق التي تميز كل أمة من خلق الله،، وما يربطنا جميعا هو الفطرة التي فطر الله عليها جميع خلقه.

وتوضح الآية الكريمة أن الدواب والطير لها خصائص وصفات تجمع كل نوع كما هو الحال في الإنسان وهي مخلوقة لله عز وجل يُقَدِر أعمارها وصفاتها وأرزاقها ويمنحها الشباب والهرم ولها نظم خاصة وفقا لنوع الدابة أو الطير لا يمكن تعديلها أو تبديلها .. وقد فسر الشيخ الراحل ابن عاشور الآية الكريمة من سورة الأنعام بأنها  تنبيه للمسلمين على الرفق بالحيوان، فإن الإخبار بأنها أمم أمثالنا تنبيه على المشاركة في المخلوقية وصفات الحيوانية كلها. وفي قوله: (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) إلقاء للحذر من الاعتداء عليها بما نهى الشرع عنه من تعذيبها، وإذا كان يقتص لبعضها من بعض وهي غير مكلفة، فالاقتصاص من الإنسان لها أولى بالعدل. 

وقد ثبت في الحديث الصحيح أن الله شكر للذي سقى الكلب العطشان، وأن الله أدخل امرأة النار في هرة حبستها فماتت جوعا.

وما يميز الإنسان عن تلك الأمم هو القدرة علي بناء الحضارة والأمانة التي خُلقنا من أجلها .. يقول المولي عز وجل في كتابه الكريم (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا } ( الأحزاب  ) ومن الجهل الذي يقع فيه بعض  الناس أن يظن أنه فوق خلق الله جميعا وله حق التخلص منها وتعذيبها دون رحمة ظناً منه أن تكريم المولي عز وجل لنا وتميزنا بالنطق  والتنقل في البر والبحر وبناء المنازل وكسب المال وارتداء الملابس  وغيرها من مزايا التكريم تعطيه الحق في إبادة بعض الأمم الأخري من الدواب أو الطير ، ويظن البعض أنه لن يحاسب علي ما يفعله حيال تلك المخلوقات بحجة أن مصلحة الإنسان أهم من مصلحة غيره من خلق المولي عز وجل.

ومن رحمة الإسلام أنه وضع مبدأ الرحمة وعدم الضرر من المبادئ الأساسية في المعاملة سواء كانت تلك المعاملة بين الأناسي أو بين الإنسان والحيوان ،، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( بينما رجل بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئرا، فنزل فيها فشرب ثم خرج، فإذا بكلب يلهث يأكل الثرى(التراب) من العطش، فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له .. قالوا : يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجرا ؟، فقال : في كل ذات كبد رطبة أجر )( البخاري ).

تلك المباديء السامية لابد أن تُحتَرم وليس معني ذلك أن نترك الكلاب والقطط الضالة تنتشر بين الناس بالصورة التي تفزع الأطفال أو تمثل خطورة علي الجميع سواء بسبب القلق من الإصابة بمرض السعار أو الخوف من المهاجمة من أحد الكلاب أو القطط الضالة .. ولابد هنا أن نشير إلي أن السعار مرض قد يصيب العديد من الحيوانات وليس الكلاب فقط . كما يجب الإشارة إلي توجه الدولة للقضاء علي السعار في السنوات القادمة لتصبح مصر خالية من السعار  عام ٢٠٣٠ .

وهنا علينا أن نفكر في بدائل تحمي الحيوان من الإبادة والقتل والتعذيب وفي نفس الوقت تحمي الإنسان من الإصابة بالضرر من الحيوانات الضالة.. من الممكن أن ندرس إمكانية عمل صندوق متخصص لحماية الحيوانات الضالة أسوة بفكرة عمل وإنشاء صناديق متخصصة لأغراض متعددة .. ويتم اعتماده رسميا بقانون مشرع من مجلس النواب أو بقرار سيادي .. وبحث كيفية تمويله لاستخدام موارد هذا الصندوق في نقل الكلاب والقطط الضالة والمنتشرة في التجمعات السكنية بشدة إلي مستعمرات آمنة توفر لهم مصادر للغذاء والمياه وفي نفس الوقت تحمي المواطن المصري من التعرض للهجوم في الطريق العام ويشرف عليها المتخصصون في مجال الطب البيطري والبيئة، مما يوفر فرص عمل جديدة لعدد كبير من العاملين في هذا القطاع وفي نفس الوقت يحقق مباديء الشريعة الإسلامية في التعامل مع الحيوانات الضالة.

أما عن اعتراضي عن خرق القانون فهو استنادا على المادة ٤٥ من الدستور التي تنص على أن تلتزم الدولة بحماية بحارها وشواطئها وبحيراتها وممراتها المائية ومحمياتها الطبيعية، ويحظر التعدي عليها، أو تلويثها، أو استخدامها فيما يتنافى مع طبيعتها، وحق كل مواطن فى التمتع بها مكفول، كما تكفل الدولة حماية وتنمية المساحة الخضراء فى الحضر، والحفاظ على الثروة النباتية والحيوانية والسمكية، وحماية المعرض منها للانقراض أو الخطر، والرفق بالحيوان، وذلك كله على النحو الذى ينظمه القانون .

ونصت المادة ٣٥٥ من قانون العقوبات المصري رقم ٥٨ لسنة ١٩٣٧ والذي تم تعديله بالقانون رقم ١٤١ لسنة ٢٠٢١  في الباب الثالث عشر والذي يحمل عنوان التخريب والتعذيب والاتلاف علي أن يعاقب بالحبس مع الشغل:(أولاً) كل من قتل عمداً بدون مقتض حيواناً من دواب الركوب أو الجر أو الحمل أو من أي نوع من أنواع المواشي أو أضر به ضرراً كبيراً.

(ثانياً) كل من سم حيواناً من الحيوانات المذكورة بالفقرة السابقة أو سمكاً من الأسماك الموجودة في نهر أو ترعة أو غدير أو مستنقع أو حوض.
ويجوز جعل الجانين تحت ملاحظة البوليس مدة سنة على الأقل وسنتين على الأكثر.
وكل شروع في الجرائم السالفة الذكر يعاقب عليه بالحبس مع الشغل مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه مصري.
 

و نصت المادة ٣٥٦  من ذات القانون علي أنه إذا ارتكبت الجرائم المنصوص عليها في المادة السابقة ليلاً تكون العقوبة السجن المشدد أو السجن من ثلاث سنين إلى سبع.
بالإضافة إلي المادة ٣٥٧ التي نصت علي أن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه كل من قتل عمداً بدون مقتض أو سم حيواناً من الحيوانات المستأنسة غير المذكورة في المادة ٣٥٥ أو أضر به ضرراً كبيراً.

مما سبق ذكره يتضح لنا أهمية الالتزام بالقانون والامتناع عن أي تصرف فردي كما حدث في حالة واقعة المصائد في التجمع الأول ،، وأن احترام القانون يقضي علي مبدأ الفوضي الذي قد ينتشر نتيجة تكرار التصرفات الفردية ،، مهما كانت النوايا سواء كانت طيبة أو غير ذلك فعلينا جميعا أن نحترم الدستور المصري والقانون وقبل هذا وذاك نحترم الشرع الذي نظم العلاقة بين المخلوقات وعلم الإنسان معني الرحمة ولنتذكر جميعا حديث رسولنا الكريم الذي قال فيه (من لا يرحم لا يرحم).