سداح مداح

أمام مصر مهمتان لهما صبغة تاريخية: الأولي استكمال عملية التحول الديمقراطي حتي تصل في موعدها المقرر بتسليم السلطة إلي المؤسسات الدستورية المدنية قبل نهاية شهر يونيو القادم.
والثانية إخراج الاقتصاد المصري من عثرته وركوده وانكماشه وما يصاحبه من أمراض اجتماعية. المهمة الأولي جارية ولها خريطة طريق, وما لم يقف في طريقها من يريدون إعادة عقارب الساعة إلي الوراء وإجبار الشعب المصري علي انتخابهم بقوة الأصوات العالية, فإن المرجح أن المهمة سوف تنتهي بالنجاح. أما المهمة الثانية فهي الأصعب لأنه لا يوجد هدف اقتصادي واضح ولا خريطة طريق معلومة, بل إنه لا يوجد توصيف دقيق لحالة الاقتصاد المصري قبل قيام الثورة ولا ما جري له بعدها.
الشائع لدينا مشتق من وصف أستاذنا الكبير أحمد بهاء الدين تعليقا علي الانفتاح الاقتصادي بأنه كان سداح مداح وهو تعبير لم يلبث أن أصبحت له تفريعاته الكثيرة التي وصلت إلي سيادة الرأسمالية المتوحشة وإلي عملية بيع مصر, وظهر أبطال قاوموا مسألة فتح البلاد علي البحري بعد بيع أصولها بالشروة. دخلت مصر وفق هذه الأوصاف إلي حالة متطرفة من اقتصاد السوق الحر المفتوح الذي يرتع فيه رأسماليون من الداخل وآخرون من الخارج حتي لم يبق للدولة شيء, ولا الشعب بالطبع أمر في إدارة الموارد والأصول التي تبددت.
لكل هؤلاء ظهر مؤخرا ما يطمئنهم أن العفة الاقتصادية المصرية لم تتأثر كثيرا بما يجري في عالمنا, حينما صدر التقرير الأخير عن عام2011 عن الحريات الاقتصادية الذي يقسم بلدان العالم إلي دولة حرة اقتصاديا من80 إلي100 نقطة- وأخري حرة غالبا-70 إلي80- وحرة بشكل معتدل-60 إلي70- ومقيدة غالبا-50 إلي60- ومقيدة تماما صفر إلي50- ويجري مقياس هذه النقاط علي عشر مؤشرات كل منها يأخذ مجالا من مجالات الحرية الاقتصادية أو حرية السوق إذا جاز التعبير.
ووفقا لهذا التقرير الذي أعدته مؤسسة هيرتيج الأمريكية, فإن مصر حصلت علي المكانة السادسة والتسعين من بين179 دولة بمقياس59.9 نقطة تسعة وخمسون وتسعة أعشار ويسبقها في السداح مداح خمسة وتسعون دولة من بينها كل دول الخليج الستة ومعهم لبنان وإسرائيل والأردن والأراضي الفلسطينية وتركيا, وفي إفريقيا أوغندا وجنوب إفريقيا وبوتسوانا وناميبيا ومدغشقر وموريشيوس, وصدق أو لا تصدق, بوركينا فاسو. أما الدول العشر الأولي التي فاق سداحها مداحها فهي هونج كونج, وسنغافورة, وأستراليا, ونيوزيلندا, وسويسرا, وكندا, وأيرلندا, والدنمرك, والولايات المتحدة, والبحرين!!.
نقلاً عن "الأهرام"