الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سلمان رشدي.. سيرة تفصيلية لضحية الحياة الطبيعية مع آيات شيطانية

سلمان رشدي
سلمان رشدي

تقول الحكمة العربية القديمة "يؤتى الحذِر من مأمنه"، وهذه الحكمة المنسوبة لأكثم بن صيفي التميمي، أحد أشعر سادات العرب قديمًا، لم تزل تبرهن على صحتها بقدر ما تبرهن على بلاغتها، ولعل الهجوم على الكاتب البريطاني الهندي الأصل سلمان رشدي أحد آخر براهين حكمة التميمي بعد نحو خمسة عشر قرنًا من إطلاقها.

سلمان رشدي أحد الأسماء الغنية عن التعريف بغض النظر عن حجم الاتفاق أو الاختلاف معه، إذ حملت الضجة التي أحدثتها روايته الأشهر آيات شيطانية ثم فتوى المرشد الإيراني الراحل روح الله الخميني بإهدار دمه، حملتا شهرته إلى كل ركن في العالم.

من هو سلمان رشدي مؤلف آيات شيطانية؟

وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، ولد سلمان رشدي في مدينة بومباي الهندية - المعروفة الآن باسم مومباي - في يونيو 1947قبل شهرين من استقلال الهند عن بريطانيا.

في سن الرابعة عشرة أُرسل سلمان رشدي إلى إنجلترا لإكمال تعليمه، وحصل لاحقًا على مرتبة الشرف في التاريخ من كلية كينجز كوليدج المرموقة في كامبريدج.

حصل سلمان رشدي على الجنسية البريطانية، وعمل لفترة وجيزة كممثل ثم مؤلف إعلانات بجانب كتابة الروايات.

لم تحقق رواية سلمان رشدي الأولى "جريموس" نجاحًا كبيرًا، لكن بعض النقاد رأوه مؤلفًا يتمتع بإمكانات كبيرة، ثم استغرق خمس سنوات لكتابة روايته الثانية "أطفال منتصف الليل" التي فازت بجائزة بوكر عام 1981، ولاقت استحسانًا واسعًا وبيعت منها نصف مليون نسخة فور صدورها.

ويعد سلمان رشدي واحدا من أكثر الكتاب البريطانيين شهرة ونجاحًا على الإطلاق، حيث فازت روايته الثانية "أطفال منتصف الليل" بجائزة بوكر عام 1981. لكن روايته الرابعة، آيات شيطانية، التي نُشرت في عام 1988، أصبحت أكثر أعماله إثارة للجدل ولاضطرابات دولية غير مسبوقة في حجمها.

إهدار دم سلمان رشدي بسبب آيات شيطانية

في سبتمبر 1988، نُشرت الرواية التي قلبت حياة سلمان رشدي رأسًا على عقب "آيات شيطانية". أثارت الرواية غضبًا لدى بعض المسلمين، الذين اعتبروا محتواها مسيئًا للإسلام والنبي محمد. وكانت الهند أول دولة تحظرها، ثم حذت باكستان حذوها، كما فعلت العديد من الدول الإسلامية الأخرى وجنوب إفريقيا.

قطعت إيران العلاقات مع المملكة المتحدة احتجاجًا على صدور رواية آيات شيطانية، وأصدر المرشد الراحل روح الله الخميني، فتوى تدعو إلى اغتيال سلمان رشدي في عام 1989، بعد عام من نشر الكتاب.

وفي مومباي، مسقط رأس سلمان رشدي، قُتل 12 شخصًا خلال أعمال عنف نشبت على خلفية احتجاجات ضد رواية آيات شيطانية، وفي العاصمة الإيرانية طهران تعرضت السفارة البريطانية للرجم بالحجارة، وأعلنت إيران عن مكافأة 3 ملايين دولار لمن يقتل سلمان رشدي.

وأصدر الخميني فتوى مثيرة للجدل أهدر بها دم سلمان رشدي عام 1989، بعد عام واحد من صدور روايته "آيات شيطانية" التي اعتبرها المرشد الإيراني مسيئة للإسلام والنبي محمد، وعاش سلمان رشدي لسنوات طوال بعد هذه الفتوى شبه مختبئ ملتزمًا الحذر تحسبًا لإقدام متطرف هنا أو هناك على تنفيذ فتوى الخميني، لكن يبدو أنه تخلى عن حذره بعد 34 عامًا من الفتوى، وظن أن بوسعه عيش حياة طبيعية غير مهددة، فقط ليعرف كم كان مخطئًا.

عاش سلمان رشدي مع زوجته لسنوات تحت حماية الشرطة البريطانية، وأعرب عن أسفه لما سببه من غضب في العالم الإسلامي وإن رفض اتهامه بالإساءة إلى الإسلام، لكن آيات شيطانية أصبحت من أكثر الكتب مبيعًا على جانبي المحيط الأطلسي. ودعمت دول الاتحاد الأوروبي الاحتجاجات ضد ردود الفعل المتطرفة، واستدعت جميعًا سفراءها من طهران بشكل مؤقت احتجاجا.

ضحايا آيات شيطانية.. سلمان رشدي ليس الوحيد

ولم يكن سلمان رشدي وحده ضحية رواية آيات شيطانية، إذ عُثر على المترجم الياباني للرواية مقتولًا في إحدى الجامعات شمال شرق طوكيو في يوليو 1991. وقالت الشرطة اليابانية إن المترجم هيتوشي إيجاراشي، الذي كان يعمل أستاذا مساعدا للثقافة المقارنة، تعرض للطعن عدة مرات وتُرك في الرواق خارج مكتبه في جامعة تسوكوبا، ولم يتسن العثور على قاتله.

وفي نفس الشهر، تعرض المترجم الإيطالي إيتوري كابريولو للطعن في شقته في ميلانو، لكنه نجا من الهجوم. كما جرى إطلاق النار على المترجم النرويجي للكتاب ويليام نيجارد، في عام 1993 خارج منزله في أوسلو، وقد نجا أيضًا.

وفي عام 1998، توقفت إيران رسميًا عن دعم فتوى الخميني بإهدار دم سلمان رشدي وتخصيص مكافأة لمن يقتله، وبعدها بدأ رشدي يتخلى عن حذره تدريجيًا إلى أن بات يعيش حياة طبيعية.

لكن التهديدات لحياته ظلت دائمًا كامنة تحت السطح، وقد قال المرشد الحالي لإيران علي خامنئي ذات مرة إن الفتوى ضد رشدي "أطلقت مثل رصاصة لن تهدأ حتى تصيب هدفها".

تزوج سلمان رشدي أربع مرات ولديه ابنان، ويعيش الآن في الولايات المتحدة، وقد منحته الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا لقب فارس عام 2007 تقديرًا لخدماته في مجال الأدب، وفي عام 2012 نشر مذكرات عن حياته في أعقاب الجدل حول آيات شيطانية.