آمنة بنت وهبى.. أم سيد الخلق

من الحزن جف لبن الرضيع ..ولم ترضع النبي طفلا سوي ثلاثة أيام
ماتت بين ذراعيه وهولا يزال في السادسة من عمره
مر بقبر أمه ..فبكاها ..وأبكي المسلمون تعاطفا لبكائه
مكثت بجوار قبر زوجها شهرا كاملا تبكيه وتتذكر الأيام الخوالي
آمنة .. أم النبي ..زهرة قريش ..سيدة نساء قومها ..الرحم الطاهر الذي ضم المصطفي صلي الله عليه
وسلم..السكن والمقام لأشرف الخلق حتي يكتمل تخلقه في دمائها وتحت سقف قلبها ...الحبل السري لمن أرسله الرحمن رحمة للعالمين ..من اتصلت حياته بحياتها لتلده معتمدا علي يديه رافعا رأسه الي السماء ...آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة.. التي لم تجد مشقة في حملها حتي وضعته ..المخاض يأتيها والنور يغمرها ويملأ محيط الإبهار والأنظار لتلقي سيد المرسلين ..السراج المنير
آمنة المخبأة من العيون حتي إن الرواة لم يعرفوا ملامحها وقيل أن شذاها العطرة كانت تنبثق من دور بني زهرة لتنتشر في ارجاء مكة ..نشأت في أسرة عريقة النسب مشهود لها بالشرف والادب ..اتسمت بالبيان وعرفت بالذكاء وطلاقة اللسان ..تعد افضل امرأة في قريش نسبا ومكانة ..رباها عمها (وهيب بن عبد مناف )...نشأت سيدتنا آمنة وعاشت صباها في اعز بيئة لها مكانة مرموقة من حيث المجد والحسب والنسب ..كانت تعرف (زهره قريش )فهي بنت بني زهرة نسبا وشرفا .
وفي مكة المكرمة وفي أشرف بيت من بيوتها يكتمل حمل آمنة ويري الجد عبدالمطلب في رؤياه كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهره لها طرف في السماء وطرف في الارض ...وتأتي اللحظة الحاسمة وتضع آمنة وليدها فطلع البدر علينا صبيحة يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الاول من عام الفيل ..الموافق العشرين او الثاني والعشرين من ابريل عام 571 م.
حان الوقت التي كانت تترقبه آمنة حيث بلغ (محمد ) السادسة من عمره وبعد العناية الفائقة التي تلقاها من والدته وظهرت عليه بوادر النضج..اصطحبته أمه الي اخوال ابيه المقيمين في يثرب ( المدينة المنورة الآن ) وذلك لمشاهدة قبر فقيدها الغالي....مكثت بجوار قبر زوجها ما يقرب من شهر كامل وهي تبكي وتتذكر الأيام الخوالي التي جمعتها واياه
وبينما محمد يلهو ويلعب مع أخواله ..وإثرعاصفة حارة قوية هبت عليهما ..تعبت سيدتنا امنة وفي طريقها بين البلدتين شعرت بأن اجلها قد حان وكانت تهمس بأنها ستموت ..ثم اخذها الموت من بين ذراعي ولدها الصغير وفارقت هذه الدنيا عام 577 م...وانهلت أعين الطفل الصغير بالبكاء وأمه مازالت بين ذراعيه ..فهو لم يدرك معني الموت بعد ..اخذته ام ايمن تحاول أن تفهمه معني الموت وتخفف عنه هذا المشهد الاليم ..عاد يتيم الاب والام الي مكة والالم يعتصره حاملا في قلبه الصغير الحزن والالم من وراء مشهد الموت وفراق اعز وأغلي الناس وأقربهم الي قلبه
ظل هذا المشهد عالقا في ذهن ووجدان الصغير حتي صار شابا وأدركته النبوة لم ينساها يوما او تشغله عنها هموم وأمور البعثة والهجرة والزواج والالم والوجع علي فراق الزوج والابن والحصار التي فرضه عليه أهل قريش بل هو وفي ومخلص باقي حريص علي برها والوفاء لها ..ففي عمرة الحديبية مر رسول الله بالايواء (المكان الذي دفنت به امه ) فزار قبرها قائلا (ان الله قد اذن لمحمد في زيارة قبر امه .)...واصلح القبر وبكي عنده ..فبكي المسلمون لبكائه..فرد عليهم الرسول صلي الله عليه وسلم قائلا (ادركتني رحمتها ..فبكيت )..صدقت ياسيدي يا رسول الله فالكل يكن لها تبجيلا واجلالا وحبا واغترافا ..وطلبا لها بالرحمة والمغفرة في هذا الشهر الفضيل.