الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لمعارضي توثيق الطلاق.. أين المشكلة؟

نهى زكريا
نهى زكريا

في لحظة غضب الرجل وخلافه مع زوجته، ينفلت عَقد لسانه؛ ليقول لها (أنتِ طالق)، كما أنه وأثناء انفعاله مع أحد جُلسائه يُطلق يمينًا مُوازيًا ليكون (علىَّ الطلاق) هروبًا من مأزقٍ قد يقع فيه.. نعم؛ أصبحت كلمة الطلاق قَسمًا لا نعرف كفَّارته، وتهديدًا لنهاية شجارٍ أو إنهاء مناقشةٍ حامية الوطيس بين زوجين، ولكم أن تتخيَّلوا معى عدد الأزواج الذين نطقوا تلك الكلمة أكثر من ثلاث مراتٍ فى حياتهم.. والسؤال كم من البيوت حدث بها هذا؟ وإذا كان الزواج يتم بشهودٍ ومأذونٍ وأفراحٍ بقصد الإشهار، فلماذا إذن لا يتم الطلاق بالطريقة نفسها؟ أقلَّه أنه لن يجعل أحدهم من الطلاق قَسمًا يُقسم به كل وقتٍ سواء كان صادقًا فيه أو كاذبًا، أيضًا من المُمكن بعد عودة الهدوء والسَكينة بين الزوجين وفى وجود (رشيد) بينهما، أن يتنازلا عن فكرة الطلاق البغيضة الحلال عند الله.

لقد كان النبى، صلى الله عليه وسلم، يُزوِّج بالفاتحة والقبول والشهود، ثم تطوَّر الأمر إلى التوثيق، فلماذا لم يتساوَ الزواج بالطلاق فى التوثيق؟.. منذ أيامٍ قرأت حوارًا للدكتور سعد الدين الهلالى صرَّح فيه بأن الطلاق الشفوى للزواج الشفوى، فكيف يكون الزواج بإعلان القاصى والدانى ثم يقع الطلاق بين اثنين فقط، ودعونا نأخذ من التاريخ عِبرةً، ونعرف كيف كان يفعل مَنْ كان قبلنا فى هذا الموضوع شديد الأهمية والحساسية..

من المعروف أنه لا يُوجد فى التاريخ أسرةٌ أفضل من الأسرة الفرعونية، فالأسرة المُستقره المُتحابة سببٌ رئيس فى رُقى المجتمع؛ لأن الأسرة هى البذرة واللبنة الأساسية والأولى لتمدُّن أى مجتمعٍ، وفى العصر الفرعونى كان الزواج بمهرٍ وشبكة أيضًا، ويُقال إن الفراعنة هم أول مَنْ اخترعوا عادة (دبلة الخطوبة) وأطلقوا عليها (حلقة البعث)، و(القائمة) ويُكتب فيها كل ما يخص المرأة، وغالبًا كانت تمتلك بهذا العُرف كل ما هو بالمنزل، والزواج يتم بشهودٍ، وكان الطلاق أيضًا يُجرى بشهودٍ لكن أقل من شهود الزواج.

بقراءة طريقة الزواج والطلاق عند الفراعنة، من الممكن أن تعرف سر التقدُّم الرهيب لهم فى حُسن تكوين العلاقة الأسرية، فقد كان للمرأة دورٌ قوى فى هذا المجتمع، خاصةً فى تربية أطفالها، وهو دورٌ لم يستهن به الرجل فى ذلك الوقت، بل كانت أحيانًا تعمل إلا أنه وفى الوقت ذاته أبناؤها أسمى مهامها وأولها، ولذلك قِيل إن المرأة وصلت إلى حد درجة التقديس فى مصر القديمة، فى حين كانت جاريةً فيما مضى، وإذا كانت زوجةً، فهى فقط وسيلةً للإنجاب فى الحضارات الأخرى.

بظهور الإسلام حصلت المرأة على مكانتها التى تستحق، إذ أعطى لها القرآن كثيرًا من الحقوق الضائعة المُهدرة عمدًا، وجاء فى أمر الطلاق (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍۢ وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍۢ مِّنكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ لِلَّهِ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مَخْرَجًا).. قال المُفسِّرون إن هذه الآية عن المرأة فى شهور العِدة وبعد انتهائها، وقد أمر الله الإمساك بهن بالمعروف أو الفراق أيضًا بالمعروف، والقليل منا مَنْ يفعل هذا، فالنهايات كما يُقال أخلاق، وإذا اتبعنا ما أمرنا الله به نكن الأفضل فى كل شىء، وأيضًا (وَأَشْهِدُواْ)، وهو أمرٌ من الله بأن يكون هناك شاهدان، وأن يكونا ذوي عدلٍ، وهنا اختلف بعض المُفسِّرين؛ فمنهم مَنْ قال إن الشاهدين للرجوع، ومَنْ رأى أنهما للرجوع أو الطلاق، ومن هنا نرى أنه لا وقد يكون هناك شهودٌ للطلاق؛ كما فسَّر البعض، وهو أولى لحفظ الحرمات والحقوق.

حول يمين الطلاق أشار مفتى الديار المصرية إلى أنه يأتى إلى دار الإفتاء شهريًّا ما يقرب من 5000 فتوى طلاق، أغلبها عبارة عن أيمانٍ وحَلفٍ بالطلاق، يقع منها واحدٌ فى الألف وربَّما لا يقع منها شىءٌ، وهذا يعني أهمية الطلاق الموثَّق؛ لأنه سيختصر الكثير من تساؤلات الأزواج، وأيضًا سيتضح من خلال ذلك علامات استفهام كثيرة من هذه الأسئلة التى تبحث عن إجابة المُتخصص فى أمور الدين والمُتفقِّه فيه.

ودائمًا ما تحضرنى أسئلة عديدة فى هذا الشأن من بينها: 
ماذا إذا طلَّق أحدهم زوجته بينه وبينها، وأمام المأذون أنكر الطلاق؟، وماذا لو طلَّق أحدهم زوجته وماتت قبل أن يُوثِّق الطلاق وكان من حقِّه أن يرثها إذا كانت صاحبة ثروةٍ وأملاك؟ وماذا إذا ذهب أحدهم إلى المأذون وطلَّق زوجته غيابيًا ثم عاد وعاش معها دون أن يُخبرها وقد حدث ذلك كثيرًا؛ كى يحرم زوجته من إرثها فيه إذا مات قبلها؟ والسؤال الأهم من كل هذا: أين المشكلة فى كوننا نُطلِّق  مثلما نتزوَّج بتوثيق؟.