الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هالة أمين تكتب: «عالم وقديس».. الإمام الشافعي في عيون الأمريكان

هالة أمين
هالة أمين

"إحنا شافعيين" جملة كان دائما ما يرددها أمامي أبي رحمه الله منذ أن كنت طفلة، أثارت بداخلي الكثير من الرغبة لمعرفة الإمام الشافعي الذي كان يحدثني عنه والدي، الأمر الذي جعلني أقرأ بعض أفكاره وأقواله وأكن إعجابا بها لدرجة أني أصبحت أكررها أو أقتبس منها.

وبمرور السنوات اكتشفت أن جملة أبي لا تعني عائلتي فحسب، بل تقريبا معظم المصريين يسيرون على المذهب الشافعي لما به من تجديد ورأفة بالمسلمين ومرونة في تطبيق الدين بالطريقة التي يريدها الله ورسوله، وهي التيسير على الأمة وليس التشديد عليهم.

وزادت رغبتي في معرفة المزيد عن ثالث الأئمة الأربعة بعد دخولي مجال الصحافة في أواخر عام 2012، وتخصصي في الشئون العربية والدولية، وأصبحت أتابع كل ما يحدث في العالم وكل ما ينشر وكل ما يثار في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية والفنية والرياضة وغيرها، فضلا عن اهتمامي الكبير بإصدارات دور النشر الغربية، وبسبب حبي للشافعي الذي ورثته عن والدي، بحثت عن الكتب العالمية التي تناولت حياته أو تحدثت عنه من مختلف الزوايا.

بالفعل وقع في يدي كتاب أمريكي جذبني عنوانه بشكل كبير وهو "الإمام الشافعي: عالم وقديس" للكاتبة كيشيا علي البالغة من العمر 51 سنة، والتي اعتنقت الإسلام خلال دراستها بالجامعة، وهي الآن أستاذة مساعدة في شئون الدين الإسلامي بجامعة بوسطن، وتركز أبحاثها على النصوص الدينية الإسلامية، خاصة الفقه، والمرأة في الخطاب الإسلامي الكلاسيكي والمعاصر، وتعمل كرئيسة مشاركة لقسم دراسة الإسلام في الأكاديمية الأمريكية للدين، ولها العديد من المؤلفات.

الكتاب الذي صدر في عام 2011 لدار النشر الشهيرة "ون وورلد" ويقع في 160 صفحة، يعد من الكتب الأمريكية المهمة عن الإمام الشافعي والذي وصفته الكاتبة بالعالم والقديس، وهو وصف فيه الكثير من الإجلال والتقدير، فهي تراه عالما منزهًا، ومجددا بشكل كبير، ولذلك أفردت له كتابا خاصا تناولت فيه كيف كان محمد بن إدريس الشافعي أحد المفكرين للإسلام.

وتستكشف الكاتبة الأمريكية خلال صفحات كتابها أفكار الشافعي المبتكرة حول طبيعة الوحي والدور الضروري إذا كان ثانويًا للعقل البشري في استقراء القواعد القانونية للنصوص الدينية، وترسم الكاتبة أيضا من خلال الكتاب حياته في سياقها الفكري والاجتماعي، بما في ذلك تفاعله مع شخصيات أخرى مثل الإمام مالك بن أنس ثاني الأئمة الأربعة.

لفت نظري أيضا أن الكتاب الأمريكي ستكشف تطوير وصقل طريقة الشافعي القانونية وتعاليمه الموضوعية وكذلك نقلها من قبل طلابه، واهتمت بأن تبرز رحلته إلى مصر والتي توفى ودفن فيها، حيث أسهبت في الإشارة إلى تعديل كتابه "الرسالة"، خاصة الأمور المتعلقة ببعض المذاهب الموضوعية عندما كان في مصر، مؤكدة أن ما جعل الشافعي يعدل في كتابه هو السيناريو الاجتماعي والسياسي والتاريخي والذي ينعكس في بعض الأحيان في عرض الكتابات العلمية كما هو الحال مع الخطابات الفقهية، حيث إن المعلومات التي يجمعها الباحث أو العالم الديني تنمو بوفرة وأحيانًا النتائج الجديدة التي توصل إليها تجعله يعدل آراءه السابقة حول موضوع معين.

أحببت سرد الكاتبة لحياة الشافعي والتي قالت عنها إنها كانت تتميز بالعبقرية بشكل ملحوظ، حيث تعتمد على كل من التقاليد الإسلامية وكذلك تقييمات البحوث الحديثة، وأعتقد أن الكتاب الأمريكي الموجه للعالم الناطق بالإنجليزيه يأسر عقل أي قارئ مهتم بمعرفة كيف كانت حياة الشافعي وكيف ساهم بشكل حاسم في الشئون القانونية للدين الإسلامي وأرسى مذهبه الخاص.

ومن أكثر آراء الكاتبة الأمريكية التي جعلتني أشعر أنها تعمقت بشكل كبير وبذلت جهدا مضنيا لتوثيق حياة الإمام في كتاب، ما قالته عن أن كتابات الشافعي لم يسبق لها مثيل، حيث وصفت ما فعله الشافعي بإدخال المبادئ المستمدة من الأحاديث القرآنية والنبوية في صياغة الفقه الصحيح لأن الشريعة الإسلامية مقصودة من أجل التطبيق العملي، ومن الضروري فهم أسلوب حياة المجتمع واستيعابهم بشكل حقيقي، حيث يستلزم أن يقع القانون تحت أسبقية الاحتياجات الإنسانية والميول.

ومن فرط إعجابي برؤية الكاتبة الأمريكية للإمام الشافعي، بحثت عنها أكثر فهي ليست بالاسم الجديد في عالم البحث الإسلامي في الولايات المتحدة ولها بصمتها الخاصة في هذا المجال، ووجدت أن بسبب معرفتها الجيدة بالنتاج الثقافي للإمام الشافعي، كثيرا ما تجدها تستشهد به في الكثير من أبحاثها ومؤلفاتها الأخرى، وفي المقابل لن تجد كقارئ أدنى إشارة في كتبها إلى المذاهب الفقهية لأبي حنيفة أو مالك وابن حنبل.

كان الكتاب الأمريكي قيّما وجاذبا للغاية وسهلا في نفس الوقت على القارئ غير العربي أن يعرف الكثير عن الشافعي، وكان من أسباب سعادتي أن أعرف كيف يراه الأمريكان كعالم وقديس، رحم الله الإمام ورحم أبي.