الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نهى زكريا تكتب: مصر وسرها الباتع

نهى زكريا
نهى زكريا

عندما تجد عملًا فنيًا تُسارع إلى التعرُّف عن بطله الأول، وإن كان كل العاملين به أبطالًا عادةً ما تحتار، إلى أن تعرف على الفور أن المخرج شديد التميُّز.. هذا ما حدث بالضبط مع المخرج خالد يوسف و"سره الباتع"، فالمسلسل دسم جدًا، ويحتاج للمشاهدة أكثر من مرة، حيث يحكى عمَّا عانت منه بلدى كثيرًا بسبب خيراتها.

 

البداية مع الكينج محمد منير وصوت وكلمات اختلطت بالمسلسل؛ لتُعطيه مذاقًا مختلفًا، فهى كلمات اختصرت عصورًا من الألم "لو جاى طمعان فـى مذلة، فيه ألف ليل قبلك ولَّى، رحايا يامة ع الغلة، وع الأعادى اللى تجيلك".. أما الموسيقى التصويرية فهى للموسيقار راجح داود، والاسم وحده يكفى للتميُّز.

 

الفنانون كلهم أبطال؛ هالة صدقى أجبرتنى بالفعل على مشاهدة مشهد استشهاد (حامد)، رغم أنه مُؤلمٌ.. أوسكار يا فنانة لأحمد السعدنى، أثبت أن تميُّزه الفنى ليس بسبب اسم السعدنى، ولكن لأنه فنانٌ حقيقىٌّ. أيضًا الفنان أحمد فهمى لم أتخيَّله فى هذا الدور، ولكنه أداه باحترافيةٍ شديدة.

 

صلاح عبدالله.. أوجزت بكلمات بسيطة قليلة أحداثًا كثيرة، خاصة جُملتك لمعتصم الإخوانى (الجلابية اللى أنت لابسها يا معتصم دليل إنك مش معانا)، عبقرى أستاذنا.


حسين فهمى.. لم أتخيَّل أن يكون غيرك فى هذا الدور، وأعتقد أنه دورٌ به إنسانية وثقافة قريبة جدًا من شخصيتك الحقيقية.

 

حنان مطاوع.. كنت أعتقد أنكِ تُحبين الكاميرا، ولكنى عرفت أن الكاميرا هى التى تُحبك، فنانة دون الاعتماد على ملابس مُلفتة أو مساحيق تجميل، جمال مصرى خالص، وفنانة حتى النخاع فى دور أثبت أن الزعيم الذى يعتمد على المرأة المصرية لا يخسر أبدًا.

 

أحمد عبد العزيز.. رأيتك هلالًا فى "المال والبنون" و"مين ميحبش فاطمة"، واكتملت قمرًا فى "سره الباتع"، دور صعب ولكنه بحجمك الفنى أديته ببساطة وجمال.

 

هشام الجخ.. احترت أيهما أفضل لك، الشِّعر أم التمثيل.. مفيد عاشور، كل مشاهدك رائعة، خاصةً وأنت تتحدَّث عن الإسلام ومُعاملة الأسير، كلمات تقشعر لها الأبدان من سماحة وإنسانية ديننا الحنيف..

كل الممثلين أبدعوا وكانوا أبطالًا، خاصةً خالد الصاوى فى مشهده مع هشام الجخ وأحمد عبد العزيز عندما قال (الفرنساوية مش كفرة)، وهى جُملة عبقرية يفهمها القليلون، فمن نحن لكى نحكم على الآخرين بالكفر أو الإيمان، فالعلم لم ينجح حتى الآن فى عمل جهاز كشف الإيمان، ولكن الأكيد فيما قاله رب العالمين: (فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ)، وما يجب علينا هو احترام الأديان، لأن كل إنسان له دينٌ غالٍ عليه، واحترامك للأديان نابعٌ من احترامك لدينك، والسؤال الذى يفرض نفسه: لماذا الاهتمام بساكنى الجنة والنار؟ ألا يكفى أن أسأل نفسى فقط عن الأعمال التى تُسكننى الجنة؟ والأغرب فى الحوار هو التفرقة فى دين المحتل، وبين المحتل المسلم وغير المسلم؟

 

الدولة العثمانية احتلت مصر أربعة قرون، نهبت وسرقت خيرات البلد، حتى أصحاب المهن المحترفين أرسلتهم لتركيا، وقتلت حتى وصل الأمر إلى سقوط 10 آلاف من عوام المصريين قتلى فى يوم واحد، وعن عسكرهم يصفهم ابن إياس بأنهم "كانوا جيعانين العين نفسهم قذرة يأكلون الأكل وهم راكبون على خيولهم فى الأسواق وعندهم عفاشة فى أنفسهم...".، نهبوا الآثار والتراث وسرقوا أجزاءً من الحجر الأسود، لقد احتلت بريطانيا مصر فى عهدهم - عصرهم كان دمويًا ولم تكن الخلافة العباسية بل كانت الخيانة العباسية، ويُمكنك البحث عن جوجل لمعرفة دورهم فى الاحتلال الصهيونى، وعن العصر الأموى، فيكفى مجزرة عاشوراء  وحصار مكة المكرمة وضرب الكعبة بالمجانيق ومجازر الحجاج بن يوسف الذى قال عنه عمر بن عبدالعزيز (لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم)..


فلا يوجد شىء اسمه المحتل الصديق والمحتل العدو، ومهما كانت ديانة المحتل فهو عدوٌ، ولا يُوجد ما يسمى بالخلافة، لكن بالطبع يوجد وطنٌ والوطن حفنه تراب طاهرة تصلح للوضوء إذا شحَّ الماء، حفنة تراب سترت أعراضنا وحمت أجسادنا كبارًا و صغارًا..
شكرًا لكل مَنْ ساهم بالعمل على إخراج هذا المسلسل الذى أوضح ما مرت به بلادنا من ويلات جعلتنا نزداد شكرًا لله على وجود وطن.