الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خطيب المسجد الحرام: الدنيا خداعة والنفس بالسوء أمارة والشيطان يدعوك إلى الخسارة

خطيب المسجد الحرام
خطيب المسجد الحرام

قال الشيخ الدكتور صالح بن حميد، إمام وخطيب المسجد الحرام، إن هذه الدار خداعة غرارة، والنفسَ بالسوء أمارة، والشيطانَ يأمر بالسوء والفحشاء، ويدعو إلى الخسارة، وأمل ابن آدم في هذه الدنيا طويل، وعمره فيها قصير.

هذه الدار خداعة

وأوضح " بن حميد" خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة، أن من تم أجله انقطع عمله، وأسلمه إلى الله أهله، وانقطعت عنه المعاذير، وأن الأعمال جزاء، فاحذروا العواقب، والدهر تارات فكونوا على حذر، من لم يكن يومه خيراً من أمسه فهو مغبون، ومن لم يكن في زيادة فهو في نقصان"، منوهًا بأن الإنسان بفطرته التي فطره الله عليها.

وتابع: وبخلقه من الروح والجسد لا يقنعه علم، ولا يكفيه متعة، بل فيه قلق، واضطراب، وخوف، وفيه حاجة إلى الطمأنينةِ بعد القلق، والسكنِ بعد الاضطراب، والأمنِ بعد الخوف الإنسان وحده من بين جميع المخلوقات يحتاج إلى سند يعتمد عليه إذا ألمت به شدة، أو حلت به كارثه ، أو واجه ما يكره ، أو خاب ما يرجو ، أو وقع ما يحذر.

وأضاف أن الإنسان وحده هو الذي يفكر في المبدأ ، ويتأمل في المصير ، وينظر في الكون ، ويعلل الأحداث، الإنسان وحده هو الذي يتخذ مواقف بحسب هذه النظرات والمدركات، والأسباب والمسببات ، هذه هي الغريزة الدينية المشتركة بين كل أجناس البشر مهما كان تعليمهم ، ومهما كانت أُمّيتهم" ، وجوهر الدين ثابت في النفوس لأنه مرتبط بجوهر الطبيعة البشرية.

تتصل بجوهر الحياة

وأكد أنه لم توجد أمة من أمم أهل الأرض بغير دين ، بل إن حاجة الإنسان إلى الدين أعظم من حاجته إلى الغذاء والدواء ، وإنها حاجة تتصل بجوهر الحياة، وترتبط بسر الوجود هل يكون في نظر العاقل أن هذه الحياة ليست إلا أرحاماً تدفع، وأرضاً تبلع، والمصير التراب، ويقول فيلسوف ملحد: تشير المعابد، والكنائس، والمساجد في جميع الأعصار والأمصار، تشير ببنيانها وعظمتها وبهائها إلى أن حاجة الإنسان للدين حاجة قوية راسخة.

واستطرد: ويقول ملحد آخر: لقد وُجِدت في التاريخ مدناً بلا حصون، وَوُجِدت مدناً بلا قصور، ووجدت مدناً بلا مدارس، ولكن لم توجد مدناً بلا دور للعبادة ، منوهًا بأن الدين فطرة مستقرة في قلوب كل البشر ، لا تحتاج في إثباتها إلى كبير جدل ، أو طويل حوار ، لأنها من البدهيات.

وأفاد بأن الإنسان مفطور على العبادة، والاعتقاد ، والإيمان: ( كل مولود يولد على فطرة ) ، حتى الملحد يبحث عن اليقين ، والطمأنينة ، ويبحث عن الغايات العليا ، وهذا كله لا يكون إلا في العقيدة الصحيحة ، والدين الحق ، والإيمان الصادق، وأن الدين الحق - بفضل الله - ومنته هو الذي يمنح القوة عند الضعف ، والأمل حين اليأس ، والرجاء وقت الخوف ، والطمأنينة عند القلق ،  والصبر في البأساء والضراء وحين البأس.

لا يكون للحياة طعم

وبين أنه لا يكون للحياة طعم، ولا يكون فيها أهداف سامية إذا كان في القلب فراغ روحي و أن الدين الصحيح هو مصدر القيم ، والأخلاقِ ، والمثلِ العليا ، والحياةِ المطمئنة، وحيرة بعض العقول في الإيمان بالخالق ليس عن برهان، ولا علم ، بل هذه الحيرة - كما يقول أهل التحقيق والنظر-: هي عرض مرضي ، ووسوسة نفسية ، وليست ظاهرة فكرية علمية فالحيرة عند هذه العقول آفة نفسية وليست شبهة عقلية" .

ونبه إلى أن الإلحاد ليس إيمانًا بل هو فقد للإيمان، فالملحد ملحد لأنه لم يستوعب أدلة الإيمان، وليس لأنه يملك أدلة على نفي الإيمان ، فالذي في قلب الملحد هو غياب الإيمان بالله ، وليس الإيمان بأنه لا إله، وأن المنكر والمشكك لا يستند إلى علم صحيح ، ولا إلى عقل صريح ، بل هو سلبي ، فهو لم يستوعب الأدلة ، كما أنه لا يستطيع أن يدلل على ما يعتقد ، ولهذا قال بعض فلاسفتهم : ( لا يوجد ملحد حقيقي ) .

ونوه بأن الملحد لم يرتح ضميره؛ لأنه لم يوافق الفطرة، ولم تطمئن سريرته؛ لأنه لم يوافق العقل، لقد طلب الدليل على الواضحات، فهو كمن يريد أن ينير ضوء الشمس بشمعة اضطربت المعايير عنده فتاه في الواضحات عقله، ينطلق من وهم معدوم، ويطمع في عدمٍ موهوم ، قائلاً: تأملوا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( كثير من العلوم الضرورية فطرية ، فإذا طلب المستدل أن يستدل عليها خفيت ووقع في الشك) القلوب ضعيفة ، والشُّبَه خَطَّافة ، والأهواء مضلة ، والشهوات والأهواء تسهل مرور الشبهات .

وأشار إلى أن الشهوات والأهواء هي صابون الشبهات، والإلحاد مكون من الشك القلبي ، والتشتت الفكري ، مضيفاً "تراهم يقولون : ننطلق من الشك حتى نصل إلى اليقين ، وهذا كمن يقول : نشربْ السمَّ لنجرِّبَ بعده الدواء إن وجود الرب سبحانه أظهر للعقول والفطر من ظهور الشمس وضياء النهار ، ومن لم ير ذلك في عقله وفطرته فليتهم عقله وفطرته" .

دليلك إلى ربك

ولفت إلى أن كل ما تراه بعينك ، أو تسمعُهُ بأذنك ، أو تعقِلُهُ بقلبك ، هو دليلك إلى ربك طريق العلم بالله أمر ضروري ليس فيه أي شك سبحان الله كيف يُطلب الدليل على من هو على كل شيء دليل ، أن لله طرائقَ بعدد أنفاس الخلائق ، ( له في كل شيء آية تدل على أنه الواحد ) ، والملحد ترك ربه وعبد الطبيعة ، وعصى الله وأطاع البشر ، وهجر الشرع واتبع الوهم ، وعاب على المتدينين الاتباع ، وهو متعلق بما يقوله أهل الإلحاد ، واستنكر في الدين مخاطبة القلب ، وهو حائر فيمن يخاطب قلبه ، وادَّعى الثقة والجزعُ يملأ قلبه ، وظَنَّ اليقين والحيرةُ تملأ جوانحه مبيناً أن الجهل بالدين هو التربة الخصبة لنشأة الإلحاد في أي مكان، وأي زمان ، وكلما كان الدين الصحيح راسخاً كان الضلال أبعد .

وشدد على أن قبول الحق ليس رهين قوة الحجة، ولا وضوحِ المحجة، ولكنه رهينُ الصدق في طلب الحقيقة والحرصِ عليها ، ولهذا فإن الحديث عن الحقائق لمن لا يصدق في طلبها جهد ضائع، منوهًا بأنه ليس لله خلقٌ هو أحسنَ من الإنسان ، فإن الله خلقه حيًّا ، عالمًا ، قادرًا ، متكلمًا ، سميعًا ، بصيرًا ، حكيمًا، أما الملاحدة فقد أسقطوا الإنسان من عز التكريم الرباني إلى درك الحيوان، وما هو أدنى من الحيوان ، وسلبوه خصيصة العقل ، فهو بعقله يرتقي فوق جميع المخلوقات ، في وعي ، وإرادة حرة ، وليس غريزة جبلية ظاهرة ، سلبوه فضيله تسخير الكون له ، هو عندهم منحط من خلية ثم حشرة وما فوقها ، فهم لا يرونه إلا ذرة في مجرة.