الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نهى زكريا تكتب: إنسانية ضائعة يا ولاد الحلال

نهى زكريا
نهى زكريا

لا أُنكر أن الأيام غيَّرت كثيرًا ممَّا بداخلنا، أصبحنا أقوى وأكثر واقعيةً أو أشد قسوةً وبأسًا على بعضنا البعض.

لقد شعرت بهذا التغيير الذى طرأ علينا فجأة؛ عندما قرأت عن حادثة "أطفال" قاموا بالتعدِّى على مريض نفسيًا بالضرب حتى الموت، لم يساورنى حزنٌ على الرجل الذى مات صريعًا على يد صبية صغار لأنه قدره، فالحياة لن تُقدِّم له ما يستحق أن يعيش من أجله، ولكن طاف بمخيلتى عِدَّة أسئلة كنت أبحث لها عن إجابة مُقنعنة تُرضى ضميرى الذى أبى أن يستريح: لماذا فعل هؤلاء الأطفال هذا؟ كيف تم تشكيلهم ليكونوا بهذه الوحشية والجبروت؟ وماذا عن هؤلاء بعد عَقدٍ او عَقدين من الزمن؟

فى الماضى القريب خاصة بالقرى، كنت أُشاهد أطفالًا يلعبون بالقطط والكلاب، وكان المارة من أهل البلدة ينصحونهم بألا يقسوا على الحيوان، أو يُعذِّبوه ويتسبَّبوا فى موته.. أتذكَّر جدتى -رحمها الله- كانت تقول "اللى عايز يربى طيور لازم يخلى باله، لأن الطير أخرس مش هيطلب أكل أو شرب، ولو نسيتى حسابك عند ربنا عسير"، وللعِلم فإن جدتى هذه لم تكن تعرف حتى كتابة اسمها، ولكنها كانت تملك من الإنسانية ما يجعل أى إنسان ينام نافضًا يديه من الذنوب.

اليوم؛ الطلاب الذين دخلوا مدارس ليتعلَّموا، خطؤهم لم يكن فى تعذيب حيوان لن يسألهم أحدٌ عليه، ولكن كانت الضحية إنسانًا، أين اختفت الإنسانية فيما يدرسوه؟ هل نجح التعليم فى قتلها داخل أولادنا.. أعتقد أن الإجابة نعم؛ ففى الماضى كنا ندرس الموسيقى، وهى غذاء الروح، فلا يُمكن أن تُنكر حالتك النفسية الجميلة عندما تستيقظ صباحًا على صوت العصافير.

فى الماضى كنا نلعب ونلهو فى ساحات المدرسة، كانت هناك حصصٌ مُخصصة للألعاب، والتى سرعان ما تحوَّلت فى المدارس الحكومية لأوقاتٍ لتقفيل المناهج.. فى الماضى كانت هناك حصصٌ للرسم، وحتى وإن كانت مثل هذه الحصص موجودة حتى الآن، فهى مجرد مُسميات لا يعرف قيمتها الطالب.

فى الماضى المدرس كان مثل الأب لا تُرد له كلمة، وهذا أمرٌ لو تعلمون عظيم؛ لأن المدرس إذا ما كان أبًا فالعلاقة بينه وبين طلابه تُغلِّفها الثقة ويُحيطها الحب والاحترام، وهذا يؤدى بسهولةٍ لتكوين الشخصية الانسانية.
رحمنى ربى من عذاب ما قرأت وأثار استيائى عن هؤلاء الأطفال وما ارتكبوه من بشاعة بخبرٍ آخر عن سيدة المسرح العربى، السيدة سميحة أيوب بعد أن تضمَّن منهج الصف السادس الابتدائى اسمها، وهذا يعنى إدراك وزارة التربية والتعليم قيمة الفن ورسالته، ووجود اسم سيدة المسرح العربى ليس تقديرًا لها وفقط، ولكن أيضًا بمثابة تعددية ثقافية تصب فى صالح الطلاب وتوسِّع مداركهم، أتمنى من وزارة التربية والتعليم العودة إلى غذاء الروح والاهتمام بالفن والموسيقى والأدب وكل ما له علاقة بالروح، فمعظم ما يدرسه الأطفال من علومٍ يُنسى مع انتهاء الدراسة ولن يبقى إلا ما عشقته أرواح أطفالنا من جمال فنوننا.