قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

مونيكا ويليم تكتب: تصاعد التباين بين القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل.. أزمة توجهات أم تحولات استراتيجية؟

مونيكا ويليم
مونيكا ويليم

تشهد الساحة السياسية والعسكرية الإسرائيلية تصاعدًا في التوترات الداخلية بين القيادة العسكرية ممثلة برئيس الأركان إيال زامير ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إثر اتخاذ الجيش الإسرائيلي قرارات استراتيجية تتعارض مع توجهات الحكومة، مما يعكس تباينًا واضحًا في الرؤى بشأن إدارة الصراع في قطاع غزة.
أظهرت وسائل الإعلام العبرية، لاسيما موقع واينت والقناة 12، الخلافات الجوهرية التي تتعلق بأهداف العملية العسكرية المرتقبة في قطاع غزة، وتباين الأولويات بين الطرفين في خضم حرب مستمرة، ذات أبعاد أمنية وإنسانية وسياسية عميقة.
وعليه في نظري، يفرض ما تم تناوله عاليه، تساؤل هام حول ماهية طبيعة العملية المرتقبة في غزة، وهل تمثل هذه العملية وحدة الهدف أم ازدواجية المقاصد؟
وفقًا لوسائل الأعلام الإسرائيلية، هناك استعدادات حثيثة للجيش الإسرائيلي لتوسيع نطاق القتال في غزة، مع تعبئة مرتقبة لقوات الاحتياط، ما يشير إلى عملية عسكرية جديدة في قلب القطاع. إلا أن المفارقة تكمن في اختلاف التوجهات بين نتنياهو وزامير؛ ففي حين يؤكد رئيس الأركان أن الهدف الأعلى الآن هو إعادة المخطوفين والضغط عسكرياً لتحقيق تقدم في المفاوضات، يصر نتنياهو على أن الهدف الأسمى هو الانتصار على حماس، وهو ما أثار سخط عائلات المحتجزين، الذين يرون في أولوية “الانتصار” تهميشًا لمعاناتهم.
لا يُعد هذا التباين خلافاً في التعبير فحسب، بل يعكس رؤيتين استراتيجيتين متناقضتين: الأولى ترى في الحل العسكري وسيلةً ضاغطة لتحريك الملف التفاوضي وتحقيق إنجاز إنساني واستراتيجي متمثل في استعادة المختطفين، والثانية تستبطن تصعيدًا ميدانيًا غير مقيد بزمن، يُحتمل أن يكون مدفوعًا بأهداف سياسية تتجاوز غزة إلى رسائل موجهة لإيران وللداخل الإسرائيلي المتأزم.
وعلي هذا الأساس قام الجيش الإسرائيلي بتغيير نمط انتشاره منذ استئناف الحرب مقارنة بمرحلة التوغل والانسحاب إذا اصبح ينشط ويستهدف العناصر المسلحة والبنية التحتية التابعة لهم وحسب التقديرات الإسرائيلية أن الجيش يسيطر الآن علي نحو 40% من مساحات قطاع غزة، علي أن يؤدي الأحكام وتسهم السيطرة العسكرية والميدانية علي قطاع غزة وعدم إدخال المساعدات الإنسانية إلي أحداث تغييرات ملموسة سواء داخل القطاع أو بموقف حماس ، إذ أكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ايفي دفرين استمرار العملية العسكرية حتي فصل منطقة خان يونس ورفح كجزء من الخطة العسكرية المعروفة وفقاً للرؤي الاستراتيجية باسم التطويق الميداني وسيطرة وأحكام محور موراج.
أما هذا القسم من المقالة، ينصب حول التحديات المفصلية في الداخل الاسرائيلي وتأتي الانقسامات السياسية الحادة، التي تجلّت في الأزمات المتكررة داخل الائتلافات الحاكمة، في مقدمة هذه التحديات، حيث تضعف الاستقرار الداخلي وتقلّص هامش المناورة أمام صانع القرار الإسرائيلي. 
وبالنظر إلي أن الجيش الإسرائيلي يواجه تحديات هيكلية تؤثر مباشرة في قدرته على تنفيذ عملياته والتي تبرز في أزمة التجنيد وتآكل الغطاء السياسي، وتأسيساً علي ذلك يمكن سرد أبرز هذه التحديات فيما يلي ، أولاً، استنزاف القوات والنقص الحاد في المقاتلين، حيث أرسل الجيش حتى يونيو 24 ألف إخطار بالتجنيد للحريديم، لم تسفر سوى عن استجابة ضئيلة لم تتجاوز 300 حالة تجنيد فعلية، وهو ما يسلط الضوء على أزمة التجنيد القائمة وتواطؤ المؤسسة السياسية – بحكم طبيعتها الائتلافية – في تجنب فرض هذه الأوامر، مما يعكس هشاشة التوازن بين العقيدة العسكرية وضرورات المصلحة الحزبية، من ثم يشكل هذا العجز عقبة رئيسية أمام تحقيق أهداف الحرب في غزة، كما يحد من قدرة الجيش على تنفيذ الطموحات العسكرية التي يضعها صناع القرار في الحكومة بقيادة بنيامين نتنياهو.
ثانياً، عدم وجود أي مسار سياسي موازٍ يمكن أن يدعم أو يواكب الجهد العسكري والعمل الميداني بل ويطرح بديلا واقعيا لحكم حركة المقاومة الإسلامية حماس في غزة ، وهو ما يمثل أحد ابرز المعوقات التي تحول دون زيادة وتيرة وكثافة العمليات في غزة، الأمر الذي برز في تأكيد المفارقة السياسية حيال الجهوزية للتصعيد، وفي الوقت نفسه السياسة المعبرة عن ضيق المؤسسة العسكرية بإدارة الحرب بأسلوب لا يستند إلى توافق وطني ولا يُفضي إلى نتائج ملموسة على صعيد الأهداف المركزية، كاستعادة الأسرى، وهو ما يجعل هذا النهج غير كاف لتحقيق الأهداف المعلنة للحرب 
ثالثاً، تمادي الحكومة في تجاهل أولويات الجيش أو المطالب المجتمعية مما قد يؤدي إلى أزمة ثقة داخلية، ربما تعيد إلى الأذهان مشاهد التصدع التي شهدتها إسرائيل خلال حروب سابقة، حينما فُقدت الثقة بين القيادتين السياسية والعسكرية، كما حدث بعد حرب لبنان الثانية.
ومع محاولة استقراء المآلات المحتملة، فإن استمرار هذا التباين قد يقود إلى أحد احتمالين: إما تقويض فاعلية القرار السياسي / العسكري في لحظة حرجة من الحرب، أو إعادة تموضع استراتيجي تفرضه المؤسسة العسكرية من خلال ضغط غير مباشر على القيادة السياسية. وفي كلتا الحالتين، فإن هشاشة الإجماع الإسرائيلي إزاء إدارة الحرب على غزة باتت واقعًا يصعب إخفاؤه. وذلك بالنظر إلي أن قرار توسيع العملية البرية لم يتم اتخاذه في اجتماع يوم الجمعة 2 مايو 2025 على أن يتخذ القرار في اجتماع الكابينيت الأمني والسياسي يوم الأحد 4 مايو.

ختاماً، تكشف هذه التطورات عن تعقيدات الداخل الإسرائيلي في زمن الحرب، حيث لم يعد الصراع مقصورًا على خطوط المواجهة في غزة، بل تمدد إلى عمق المؤسسة السياسية والعسكرية. فالتباين بين نتنياهو وزامير ليس مجرد خلاف مرحلي، بل مؤشر على أزمة بنيوية في آليات اتخاذ القرار وتحديد الأولويات الوطنية. وفي ظل استمرار الحرب، ستظل مسألة التوافق بين الحكومة والجيش عاملاً حاسمًا ليس فقط في مسار الحرب، بل في مستقبل الاستقرار السياسي والاجتماعي في إسرائيل.