بينما تستعد الفاتيكان لاختيار خليفة جديد عقب وفاة البابا فرنسيس عن عمر ناهز 88 عاماً، تعود الأنظار إلى أبرز المحطات التاريخية في مسيرة الكرسي الرسولي، وعلى رأسها أطول فترة بابوية في تاريخه، التي تعود للبابا بيوس التاسع، الذي قاد الكنيسة لمدة تجاوزت ثلاثة عقود شهدت تحولات جذرية في مصير الدولة البابوية.
أطول وأقصر فترات الحكم البابوي
بلغ عدد الباباوات الذين تولوا إدارة شئون الكنيسة الكاثوليكية حتى اليوم 266 بابا، من بينهم يُعد البابا أوربان السابع صاحب أقصر فترة بابوية، إذ لم تتجاوز مدته 13 يوماً، حيث وافته المنية عقب مراسم التنصيب الرسمية بسبب إصابته بالملاريا.
في المقابل، يُصنف البابا بيوس التاسع كصاحب أطول فترة جلوس على السدة البابوية، إذ امتدت لنحو 32 عاماً، وهو ثاني أطول حكم بعد القديس بطرس بحسب التصنيف الكنسي.
ليبرالية مفاجئة في بداية العهد
انتخب بيوس التاسع، المولود في 13 مايو 1792 بمدينة سينيغاليا الإيطالية، بابا للكنيسة الكاثوليكية يوم 16 يونيو 1846، وتولى مهامه رسميا بعد خمسة أيام فقط.
وتبني نهجا إصلاحيا مغايرا لسلفه المحافظ غريغوري السادس عشر، ما أكسبه شعبية واسعة بين الإيطاليين.
سلسلة إصلاحات جريئة
أطلق بيوس التاسع سلسلة من الإصلاحات الجريئة، منها إنشاء مجلس الدولة، وإقرار حرية الصحافة مع تشكيل هيئة رقابية علمانية، كما أنشأ مجلساً خاصاً لتلقي مطالب الشعب، ووافق على تطويب شهداء ناغازاكي، وأبدى معارضة شديدة لتدخل النمسا في الشئون الإيطالية.
وقد نال إعجاب كبار المثقفين الأوروبيين، مثل الكاتب الفرنسي فيكتور هوغو، وأصبح أول بابا يُلتقط له تصوير فوتوغرافي.
سقوط الدولة البابوية
لكن الرياح لم تسر دوماً كما اشتهى، فقد تزامنت فترة حكم بيوس التاسع مع اضطرابات سياسية كبيرة في أوروبا، أبرزها "ربيع الشعوب" عام 1848، وبداية حركة توحيد إيطاليا بقيادة شخصيات مثل مازيني وغاريبالدي، ورغم محاولاته للحفاظ على استقلال الدولة البابوية، اصطدمت جهوده بطموحات الوحدة الإيطالية.
استعان الفاتيكان آنذاك بمجموعة من فرنسا وهولندا وكندا لحمايته، إلا أن هزيمة فرنسا أمام بروسيا عام 1870 أسقطت آخر أوراق الدفاع عن روما، وفي سبتمبر من العام نفسه، اجتاحت قوات إيطالية بقيادة الجنرال رافايلي كادورنا المدينة، منهية بذلك أكثر من ألف عام من وجود الدولة البابوية.
وفي عام 1871، صدر قرار يضمن للبابا سلطة دينية داخل الفاتيكان فقط، بينما أصبحت روما عاصمة إيطاليا الموحدة، ومنذ ذلك الحين، اعتبر بيوس التاسع نفسه "أسيراً داخل الفاتيكان"، وهو الوصف الذي استخدمه لتجسيد العزلة السياسية التي فُرضت عليه.
نهاية عهد استثنائي
توفي البابا بيوس التاسع في 7 فبراير 1878 بعد أن أمضى 31 عاماً و7 أشهر و23 يوماً في قيادة الكنيسة، محققاً بذلك أطول مدة بابوية في التاريخ الحديث للفاتيكان.
وقد ظل اسمه مقترنا بفترة انتقالية حاسمة، تحول خلالها الكرسي الرسولي من كيان سياسي إلى سلطة روحية بحتة.