أثار مقترح برلماني بتعديل ساعات العمل الرسمية في مصر لتبدأ من الخامسة صباحًا وحتى الثانية عشرة ظهرًا جدلًا واسعًا على السوشيال ميديا، خاصة أنه يمثل تحولًا جذريًا في نمط الحياة اليومية للمجتمع المصري.
المقترح، الذي طرح داخل البرلمان، يستند إلى فكرة أن العمل المبكر يعزز الإنتاجية ويخفف من حدة الزحام المروري ويوفر الطاقة ويساعد على الإستقرار الاسري ، فضلًا عن أنه يتماشى مع التوجهات العالمية وتجارب دول عدة طبقت أنظمة مشابهة.
وفي الوقت الذي يرى فيه مؤيدوه أنه قد يكون خطوة إصلاحية لرفع كفاءة الجهاز الإداري للدولة وتقليل ساعات الهدر، يحذر معارضوه من صعوبة التطبيق في ظل غياب بنية تحتية متكاملة للنقل والمواصلات، إلى جانب الأعباء الاجتماعية المرتبطة بمواعيد المدارس والحياة الأسرية.
وبين التفاؤل والحذر، يظل النقاش مفتوحًا حول ما إذا كان هذا التعديل يمثل فرصة حقيقية لإصلاح منظومة العمل في مصر، أم أنه مجرد مقترح يصعب تنفيذه.
د. حمدي عرفة: تطبيق مواعيد العمل من الفجر حتى الظهر ممكن في مصر لكنه يحتاج تعديلات قانونية وخطة تنفيذية تدريجية
قال الدكتور حمدي عرفة، استاذ الادارة الحكومية والمحلية في تصريحات خاصة لموقع صدى البلد إن المقترح الخاص ببدء مواعيد العمل في مصر من بعد الفجر وحتى الثانية عشرة ظهرًا، يتطلب في المقام الأول تعديل القانون رقم 81 لسنة 2016 الخاص بالخدمة المدنية، باعتباره القانون المنظم للجهاز الإداري للدولة الذي يضم نحو 4 ملايين و820 ألف موظف موزعين على 33 وزارة و27 محافظة.
وأوضح عرفة أن تنفيذ هذا النظام يحتاج إلى قرار من رئيس مجلس الوزراء، مشيرًا إلى أن التطبيق العملي يمكن أن يبدأ تدريجيًا من خلال الوزراء والمحافظين ووكلاء الوزارات باعتبارهم الأكثر قدرة من حيث الإمكانيات اللوجستية ووسائل الانتقال.
وأشار إلى أن هناك تجارب ناجحة في بعض دول الخليج، حيث يبدأ العمل في السابعة صباحًا، وتنتهي بعض الأيام في الثانية عشرة ظهرًا، لافتًا إلى أن القيادة السياسية في مصر سبق وأن أوصت الوزراء منذ عدة سنوات بضرورة التواجد في مكاتبهم منذ السادسة صباحًا، وهو ما التزم به عدد كبير منهم.
وأضاف: “من الصعب فرض هذا النظام دفعة واحدة على جميع الموظفين، خاصة أن هناك اعتبارات اجتماعية مثل مواعيد المدارس، بالإضافة إلى التكدس المروري، لذا الأفضل أن يكون التطبيق على مراحل تبدأ بالقيادات ثم تعمم تدريجيًا”، موضحًا أن الموظفين سيقبلون الفكرة بشدة إذا كان المقابل هو الانصراف مبكرًا في الثانية عشرة والنصف ظهرًا، ما يتيح لهم فرصة للعمل الإضافي أو قضاء شؤون أسرية.
وأكد عرفة أن تطبيق هذه المنظومة يحتاج إلى توافر وسائل انتقال مناسبة، وخطوط سير واضحة، وتكنولوجيا داعمة داخل المؤسسات الحكومية، بحيث يتم توزيع المهام بكفاءة وتجنب التكدس الإداري، لافتًا إلى أن بعض الوزارات مجهزة تقنيًا بشكل ممتاز، بينما وزارات أخرى ما زالت تفتقر للبنية التكنولوجية.
وتابع قائلًا: “التجربة ليست صعبة ويمكن تطبيقها إذا توفرت الإرادة السياسية، وهي ستنعكس بالإيجاب على مستوى الإنتاجية، خاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالبركة في البكور، ما يعني أن العمل في الساعات الأولى من اليوم أكثر فاعلية وإنتاجًا”
وأوضح أن العامل الحاسم في نجاح التجربة يتمثل في توفير البنية التكنولوجية واللوجستية، قائلًا: “عندما تتوافر التكنولوجيا الفائقة في بيئة العمل، والوسائل المناسبة لانتقال الموظفين، فلن يكون هناك ما يستدعي بقاء الموظف حتى الثانية أو الثالثة عصرًا، وبالتالي يصبح الانصراف في الثانية عشرة أو الواحدة ظهرًا أمرًا طبيعيًا”، لافتًا إلى أن بعض الدول تعتمد هذا النظام بشكل كامل منذ سنوات.
وأشار إلى أن مصر نفسها سبق أن طبقت نموذجًا مشابهًا في بعض المؤسسات، مثل الهيئة القومية للبريد التي كان موظفوها في عام 2005 يبدأون عملهم من الثامنة صباحًا حتى الواحدة ظهرًا، وهو ما يؤكد أن التجربة ليست غريبة على الواقع المصري.
وتابع: “لكي نطبق هذه المنظومة بشكل صحيح، نحن بحاجة إلى إمكانيات مادية وبشرية، تدريب للموظفين، تكنولوجيا متطورة، وسائل مواصلات آمنة وسريعة، وكذلك معالجة مشكلة الازدحام المروري ورفع أجور العاملين، حتى يشعر الموظف أن ساعات العمل القليلة تعوضها زيادة في الإنتاجية والكفاءة”.
وأضاف عرفة أن نحو 80% من الموظفين في مصر يعتمدون على الأتوبيسات والميكروباصات في الانتقال، ما يؤدي إلى تأخيرهم عن مواعيد الحضور المبكر، مطالبًا بتدخل مشترك من 33 وزارة و27 محافظة، بما في ذلك أجهزة المرور بوزارة الداخلية، لوضع خطة انتقال واضحة بخطوط سير محددة تضمن وصول الموظفين في وقت أسرع وأكثر انتظامًا.
وشدد على أن التجارب الدولية أثبتت نجاح الفكرة عند توافر بيئة مناسبة تشمل المواصلات العامة المنظمة، والوسائل التكنولوجية الحديثة، ووسائل النقل الجماعي التابعة لجهات العمل.
وأوضح أن النقاش في مصر يتركز غالبًا على الجهاز الإداري للدولة، بينما يغفل قطاعًا ضخمًا يتمثل في نحو 27 مليون مواطن يعملون بالقطاع الخاص، من بينهم أصحاب المحال التجارية، ومحلات الخياطة، والسوبر ماركت، والصيانة، وغيرهم، مضيفًا: “المتوسط العام لأصحاب هذه الأنشطة أن يبدأ يومهم في حدود الحادية عشرة صباحًا، وهذه مشكلة كبيرة تؤثر على حجم الإنتاج والإيرادات”.
وأشار إلى أن التجارب الخليجية والغربية، مثل بريطانيا والولايات المتحدة، أثبتت أن العمل المبكر هو العامل الأساسي في رفع الإنتاجية، حيث يبدأ الموظفون وأصحاب الأنشطة الاقتصادية من السادسة أو السابعة صباحًا، لافتًا إلى أن دول الخليج غيرت نمطها كليًا خلال السنوات الأخيرة، فأصبح التواجد في مقرات العمل يبدأ فعليًا من السابعة والنصف صباحًا.
وتابع: “الموضوع ليس فقط تعديلاً في مواعيد الجهاز الحكومي، بل هو تغيير ثقافة عمل كامل يشمل الحكومة والقطاع الخاص معًا، إذا ظلت المحال التجارية تغلق أبوابها حتى وقت متأخر وتبدأ يومها عند الحادية عشرة صباحًا، فلن يتحقق النمو المطلوب”.
وأنهى حديثه قائلاً أن مصر بحاجة إلى دراسة شاملة تشارك فيها الخبرات الوطنية المتخصصة في الإدارة الحكومية، بالتعاون مع ممثلي القطاع الخاص، من أجل صياغة نموذج يتناسب مع خصوصية المجتمع المصري، ويضمن أن يبدأ الموظفون وأصحاب الأعمال يومهم في توقيت مبكر يواكب التوجهات العالمية.