في تطور خطير ينذر بكارثة إنسانية غير مسبوقة، أعلنت منظمات الأمم المتحدة تفشي المجاعة رسميا في قطاع غزة، وسط تحذيرات من توسعها إلى مناطق أخرى خلال أسابيع قليلة.
وفي بيان مشترك، أطلقت أربع من أكبر الوكالات الأممية نداءا عاجلا لاستجابة إنسانية فورية وشاملة، مع تحميل مباشر لإسرائيل مسؤولية ما وصفته بـ"المجاعة المتعمدة الناتجة عن الحصار وعرقلة دخول المساعدات".
وعلى الجانب الآخر، نفت إسرائيل هذه الاتهامات جملة وتفصيلا، مما يزيد من حدة الصراع السياسي والحقوقي حول ما يجري داخل القطاع المحاصر.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، إن ما يجري في قطاع غزة يتجاوز كونه أزمة إنسانية طارئة، بل يعد جزءا من مخطط إسرائيلي مدروس يهدف إلى دفع السكان نحو النزوح القسري من خلال استخدام أدوات التجويع والتدمير الممنهج.
وأضاف فهمي- خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أن هذا النهج لا يقتصر على حرمان السكان من الغذاء والدواء، بل يمتد إلى استهداف البنية التحتية الحيوية، كمنشآت تحلية المياه وشبكات الطرق، لتعطيل مظاهر الحياة الأساسية وشل قدرة القطاع على الصمود.
وأشار فهمي، إلى أن يعاني سكان غزة من نقص حاد في المواد الأساسية، رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها مصر لإدخال المساعدات الإنسانية، إلا أن هذه المساعدات تظل غير كافية لسد الاحتياجات اليومية، في ظل تقارير تشير إلى وجود ميليشيات موالية لإسرائيل داخل القطاع تعمل على عرقلة توزيع المعونات، مما يفاقم من الأزمة ويزيد من معاناة الفلسطينيين.
وتابع: "كل هذه الإجراءات ليست عشوائية أو ظرفية، بل تندرج ضمن خطة ممنهجة تشرف عليها أجهزة أمنية إسرائيلية، تستهدف إعادة تشكيل الواقع الديموغرافي في غزة بما يخدم مصالح الاحتلال طويلة الأمد، ويؤسس لمرحلة جديدة من السيطرة، قائمة على الإفراغ السكاني والتجويع القسري".
وفي بيان مشترك شديد اللهجة، دعت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، وبرنامج الأغذية العالمي (WFP)، ومنظمة الصحة العالمية (WHO)، إلى استجابة إنسانية عاجلة وكاملة، في ضوء تزايد عدد الوفيات المرتبطة بالجوع، والإعلان الرسمي عن تفشي المجاعة في محافظة غزة.
وأكدت هذه الوكالات أن مئات الآلاف من الفلسطينيين داخل القطاع يعانون من الجوع الحاد، وقد اضطر كثيرون منهم إلى قضاء أيام كاملة دون تناول أي طعام، ما يضع أرواحهم على المحك ويهدد بانهيار شامل للوضع الإنساني.
وجددت المنظمات الأممية مطالباتها بوقف فوري لإطلاق النار، وفتح ممرات إنسانية آمنة ودون عوائق، لضمان إيصال المساعدات الغذائية والطبية إلى السكان المتضررين.
ووفقا لما ورد في التحليل الصادر عن التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) الجمعة، فإن المجاعة قد تفشت فعليًا في محافظة غزة، ويتوقع أن تمتد خلال الأسابيع القليلة القادمة إلى محافظتي دير البلح وخان يونس، ما يُنذر بكارثة واسعة النطاق.
وأشارت تقارير الوكالات الأممية إلى أن أكثر من نصف مليون إنسان في غزة أصبحوا محاصرين وسط الفقر المدقع، والمجاعة المتفاقمة، والوفيات التي يمكن تفاديها لو توفر الحد الأدنى من الغذاء والرعاية الصحية.
والبيانات الميدانية تظهر حجم الكارثة، حيث تجاوز عدد الضحايا جراء الجوع 270 فلسطينيا، نصفهم من الأطفال، وفقا لما أفادت به مصادر طبية محلية.
وهذه الأرقام لم تعد محض تقديرات أو تحذيرات أولية، بل باتت حقائق معترف بها رسميا من قبل الأمم المتحدة، التي ختمت على هذا الواقع المأساوي بإعلان المجاعة في غزة، في تطور غير مسبوق في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
من جانبه، وجه وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، توم فلتشا، اتهاما صريحا لإسرائيل، محملا إياها "المسؤولية الكاملة عن المجاعة نتيجة العرقلة الممنهجة لدخول المساعدات".
أما الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، فقد استخدم تعبيرات بالغة القسوة، وكتب في منشور على منصة "إكس": "لقد نفدت الكلمات في وصف جحيم غزة.. ليضاف إليه الآن جحيم المجاعة.. إن الوضع الحالي هو كارثة من صنع الإنسان، ويتوجب على إسرائيل أن تتحمل مسؤولية ضمان إيصال الغذاء والإمدادات الطبية. لا يمكن السماح باستمرار هذا الواقع من دون محاسبة".
وفي المقابل، لم تتأخر إسرائيل في الرد على هذه التصريحات، حيث سارع مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى نفي ما جاء في تقارير الأمم المتحدة، واصفا إياها بأنها "أكاذيب مطلقة".
وقال البيان الرسمي: "إسرائيل لا تمارس سياسة التجويع، بل على العكس، تعمل على منع المجاعة في القطاع".
وأشار مكتب نتنياهو إلى أن أكثر من 100 ألف شاحنة محملة بالمساعدات الإنسانية دخلت غزة منذ بداية الحرب، معتبرا هذا الرقم دليلا قاطعا على أن إسرائيل لا تعيق إيصال المساعدات.
ورأى المسؤولون الإسرائيليون في هذه البيانات "ردا عمليا" على ما وصفوه بـ"الادعاءات المفبركة"، مؤكدين أن ما يجري في غزة هو "نتيجة مباشرة للحرب التي فرضتها حماس"، وليس سياسة ممنهجة من جانب إسرائيل.
والجدير بالذكر، أنه في ظل هذه التصريحات المتضاربة والتقارير الصادمة، تزداد حدة الانقسام الدولي حول طبيعة ما يجري في غزة، بين من يرى فيه سياسة تجويع ممنهجة ترقى إلى جرائم حرب، ومن يبرر الواقع القائم بوصفه جزءا من تداعيات نزاع مسلح.
وبين التصريحات والاتهامات، يبقى المدنيون في غزة هم الخاسر الأكبر، وسط مجاعة تعصف بحياتهم وصمت عالمي يثير الكثير من التساؤلات.