دشن قداسة البابا تواضروس الثاني، اليوم السبت، كنيسة الشهيد مارمينا في منطقة فلمنج، بالإسكندرية.
واستقبل كهنة الكنيسة قداسة البابا لدى وصوله، وقدم له الأطفال باقات من الزهور ترحيبًا بقداسته، وتوجه مباشرة إلى اللوحة التذكارية التي تؤرخ لتدشين الكنيسة، وباركها برشمها بعلامة الصليب، والتقطت صورًا تذكارية لقداسته وحوله الآباء الأساقفة والكهنة وأعضاء مجلس الكنيسة.
تحرك بعدها موكب قداسة البابا إلى داخل الكنيسة، يتقدمه خورس الشمامسة وهم يرتلون ألحان استقبال الأب البطريرك.
وحيَّا الشعب الحاضر قداسة البابا أثناء سيره في الممر الرئيسي للكنيسة، وأشار لهم قداسته مباركًا إياهم بالصليب.
ثم بدأت صلوات التدشين، التي جرت بمشاركة أربعة من أحبار الكنيسة، وتم تدشين ثلاثة مذابح، هي:
١- المذبح الرئيس ودُشِن على اسم الشهيد مار مينا.
٢- المذبح البحري ودُشِن على اسم رئيس الملائكة ميخائيل.
٣- المذبح القبلي ودُشِن على اسم السيدة العذراء مريم.
كما تم تدشين أيقونة البانطوكراطو (ضابط الكل) بشرقية كل هيكل من الثلاثة هياكل، وكذلك الأيقونات الموجودة في حامل الأيقونات (الأيكونستاز) وفي صحن الكنيسة.
وتأمل قداسته في كلمته عقب التدشين في طقس صلواته وقدم قداسته الشكر، للآباء كهنة الكنيسة ومجلسها والشمامسة والأراخنة ذاكرًا جهد المتنيح القمص أنطونيوس سعد الذي خدم بالكنيسة وبدأ أعمال توسعتها وتطويرها.
ووقع قداسة البابا والآباء الأساقفة على وثيقة تدشين الكنيسة.
بدأت بعدها صلوات القداس الإلهي، وفي عظة القداس أعرب قداسته عن سعادته بتدشين الكنيسة واصفًا إياها بأنها الكنيسة الخادمة التي تخدم في مجتمع الإسكندرية منذ عشرات السنين. لافتًا إلى أن الكنيسة القبطية في قراءات النصف الثاني من الشهر الأخير من السنة القبطية (مسرى)، تحدثنا كثيرًا عن الملكوت. ثم أعطى من خلال إنجيل القداس إجابة على السؤال: من منا سيكون له نصيبًا في السماء؟! حيث عرض لخمسة فئات سيكون لهم هذا النصيب المبارك:
١- التائبون: القلب عضو يشبه الخزانة المغلقة، مخفى داخل الصدر لا يعرف ما بداخله إلا الإنسان ولا يراه إلا الله، وحسب ما في هذا القلب يتحدد مصير الإنسان، ومنطقة الرهبنة في وادي النطرون تسمى برية شيهيت وكلمة شيهيت تعني "ميزان القلوب" أن أن الشخص يجب أن يزن (يفحص) قلبه ليعرف ما به. لذا احفظ قلبك تائبًا.
ومن الخبرات الرهبانية في الأديرة أن يكلف طالب الرهبنة الجديد بتنقية جوال أرز وهي عملية صعبة ومرهقة وتحتاج إلى وقت طويل، وخلال هذه العملية يتعلم طالب الرهبنة طول البال وفضيلة تنقية القلب من الشوائب.
٢- المحبون: والمقصود من يحبون المسيح "لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا." (رو ٥: ٥) ومحبة المسيح لنا عجيبة لأنه ليس فينا ما يستحق الحب، لذا فالقديس يوحنا "نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلاً" (١يو ٤: ١٩). ومن يحب المسيح يحب الجميع دون استثناء. نحب الآخر بغض النظر عن جنسه أو شكله أو لغته اعتقاده أو لونه، نحبه لمجرد أنه خليقة الله.
وهذه المحبة تظهر في سلوكيات وأفعال كثيرة مثل أعمال الرحمة والمساعدة وغيرها "يَا أَوْلاَدِي، لاَ نُحِبَّ بِالْكَلاَمِ وَلاَ بِاللِّسَانِ، بَلْ بِالْعَمَلِ وَالْحَقِّ" (١يو ٣: ١٨). أي نحب بالفعل والعمل الحقيقي.
هؤلاء هم المحبون الذين يقدمون الحب في البيت وفي الكنيسة وفي المجتمع وفي كل مكان يتواجدون فيه.
مفهوم "الترقية" في العالم تتجه لأعلى أي أن الشخص يبدأ في عمله صغيرًا ثم يترقى تدريجيًا ويصعد إلى مناصب أعلى، أما الترقية في الفكر المسيحي فهي تتجه لأسفل، وهو المبدأ الذي رسخه السيد المسيح حينما غسل أرجل تلاميذه، وعلمهم الدرس الهام. لهذا فإن أرقى درجات الترقية هي الانحناء وغسل الأرجل! باتضاع وبمحبة صادقة.
٣- المسبحون: من يعيشون في روح الصلاة والتسبيح باستمرار، وكنيستنا تتميز بأنها مليئة بالصلوات والتسابيح.
وصلوات الكنيسة متنوعة لتشبع كياننا كله، فقد نصلي:
- بكلمة واحدة: كيريي ليسون.
- بعبارة: ياربي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ.
- بمقطع: مثل مقاطع صلوات الأجبية.
بالموسيقى: الألحان والتسابيح والمدائح والترانيم.
- بالحركات الجسدية: مثل رسم الصليب أو رفع اليدين أو السجود....إلخ.
٤- العائشون بالإنجيل: الإنسان الذي يدرس الكتاب المقدس ويعيش به، فيكون عائشًا في الإنجيل وبالإنجيل، ويصير الإنجيل هو كل حياته، يقرأه يحفظه ويتأمل فيه، يعيش ويتكلم بالإنجيل فنشعر أن لغته صارت هي هي "لغة الإنجيل!".
نجد مثل هذا الإنسان بقراءته المستمرة في الإنجيل وبعيشه في أعماق الإنجيل ينطبق عليه التعبير الكتابي إنجيلاً مقروءًا من جميع الناس (٢كو ٣: ٢)، أو كما عبر عنه القديس القمص بيشوي كامل بعبارة "إنجيل معاش".
٥- الكارزون: الذين يحملون الإنجيل إلى الآخرين، والكارز إنسان امتلأ قلبه بمحبة المسيح وأدرك خلاص المسيح له بالصليب، فسعى لأن يقدمه لكل أحد.
مثل القديس مار مرقس الذي نلقبه بالكاروز. وكنيستنا في أيامنا هذه تخدم خدمة الكرازة في ٣٥ دولة (في إفريقيا وآسيا ودولة في أوروبا) ولدينا آباء وخدام وخادمات يقومون بعمل كرازي في هذه البلاد.
الخلاصة: تجتمع الصفات الخمسة السابقة في نفس الإنسان المتضع، وهو ما يؤكده القديس الأنبا باخوميوس أب الشركة بقوله "بالاتضاع تكون فرحًا".
وقدم الشكر عقب العظة للآباء الكهنة والأراخنة وكل من ساهم في تجديد وإتمام العمل في الكنيسة.
وعقب انتهاء الصلوات أقيمت احتفالية بمناسبة التدشين، تحدث في بدايتها القمص أثناسيوس فهمي عن تاريخ الكنيسة وتميزها الفريد وبالأخص أعمدة المذبح الأربعة التي يرجع تاريخها إلى القرن الرابع والخامس الميلادي، لافتًا إلى أنها تتميز أيضًا بوجود أول مكتبة ومسرح وملعب ونشاط الكشافة في الكرازة المرقسية، وأول كنيسة ألقى فيها المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث عظاته في افتتاح الكلية الأكليريكية بالإسكندرية.
فيما قدم القمص مينا يوسف عرضًا مختصرًا لما تم من أعمال الترميم والتجديد في الكنيسة ومبنى الخدمات وتكلم نيافة الأنبا هرمينا الأسقف العام لقطاع كنائس شرقي الإسكندرية معبرًا تقديره والآباء الكهنة وشعب كنيسة "فلمنج" لحرص قداسة البابا على افتقادهم وتدشين الكنيسة، كما قدم نيافته الشكر لجميع الحضور وكل من ساهموا في إتمام العمل بالكنيسة.
وتم عرض فيلم تسجيلي عن تاريخ نشأة الكنيسة كواحدة من أعرق كنائس الإسكندرية القديمة والتي تأسست كحلم صغير وحجارة حية عام ١٩٤٨.







