قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

الحب فى الإسلام.. علي جمعة يوضح معناه وأشكاله

الحب فى الإسلام
الحب فى الإسلام

قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الحب هو الحقيقة الكبرى التي قام عليها الكون كله، وللحب دلالات ومعانٍ كثيرة وعميقة تختلف باختلاف المتعلَّق به، فحب المعاني غير حب المحسوسات، وحب الصور غير حب الأخلاق، وهكذا. وحتى لا يتشعَّب بنا الكلام فنحن بصدد الحب في الإسلام وأشكاله.

وأشار إلى قول أهل اللغة في الحب، وقال: فقد عرَّف أهل اللغة الحب بأنه المحبة، وكذا الحِبُّ بالكسر: والحِبُّ أيضًا الحبيب. 

ويقال: أحبَّه فهو مُحَبٌّ، وحَبَّه بالكسر فهو محبوب. 

وتحبَّب إليه: تودد. وامرأة مُحِبَّة لزوجها، ومُحِبٌّ أيضًا. والاستحباب كالاستحسان. 

واستحبَّه عليه: أي آثره عليه واختاره. 

ومنه قوله تعالى: ﴿فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾. 

واستحبَّه: أحبه، ومنه المستحب. 

وتحابُّوا: أحب كل واحد منهم صاحبه.

أقسام الحب فى الإسلام

واوضح ان الحب في الإسلام على ثلاثة أقسام من حيث المحب: حبٌّ من الله، وحبٌّ لله، وحبٌّ في الله.

أما الأول، وهو الحب من الله: فالله سبحانه يحب من خلقه ما يشاء، وحبُّه لهم هو إرادة الإحسان والإكرام وإنزال الرحمة بهم، وقد أخبر سبحانه عن اثني عشر صنفًا في كتابه العزيز أنه يحبهم بلفظة "يحب"، فقال سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195]. وقال جل شأنه: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: 222]. وقال عز من قائل: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 76]. وقال سبحانه: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: 146]. وقال جل وعلا: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: 159]. وقال سبحانه تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [المائدة: 42]. 

من الذين يحبهم الله

وقد أخبر سبحانه عن القوم الذين يحبهم، وذكر من أوصافهم أربعة خصال فقال جل شأنه: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [المائدة: 54]. وذكر حبه للمقاتلين في سبيله بنظام فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ [الصف: 4].

من الذين لا يحبهم الله

كما أخبر سبحانه وتعالى عن اثني عشر صنفًا من خلقه لا يحبهم بنفي نفس اللفظة "لا يحب"، فقال جل اسمه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: 190]. وقال جل شأنه: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾ [البقرة: 276]. وقال عز من قائل: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: 32]. وقال سبحانه: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران: 57]. وقال جل وعلا: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ [النساء: 36]. وقال سبحانه تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا﴾ [النساء: 107]. وقال جل شأنه: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [المائدة: 64]. وقال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأنعام: 141]. كما قال سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴾ [الأنفال: 58]. وقال: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾ [النحل: 23]. وأخبر بذلك أيضًا عن الفرحين بأنفسهم المعجبين بقوتهم وعلمهم الذين لا ينسبون الفضل لله سبحانه وتعالى فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ [القصص: 76].

الأفعال التى لا يحبها الله

ومن الأفعال التي أخبر الله أنه سبحانه وتعالى لا يحبها فعلان، وهما: الفساد، والجهر بالسوء، فقال سبحانه: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة: 205]. وقال: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ﴾ [النساء: 148].

وفيما ذكر من الآيات نستطيع أن نعرف من هم الذين يحبهم ربنا سبحانه وتعالى، ومن هم الذين لا يحبهم جل وعز، حتى نجتهد في أن نحصِّل جميع أو بعض تلك الخصال، ونعزم على البعد عن جميع تلك الخصال الأخرى. وهذه هي حقيقة التقوى

النوع الثاني من الحب في الإسلام، وهو حب الله:

فإن لله تعالى صفات الكمال ونعوت الجمال والجلال، وهو يحب لأنه متصف بكل جميل، ومنزَّه عن كل قبيح، وهو سبحانه يحب لذاته ويُقصد لذاته، وحب الله هو مقام عظيم من مقامات القرب، وعبادة المحبة هي عبادة أولياء الله الصادقين المخلصين، وكل من عرف ربه أحبه، فهو الكريم سبحانه، وهو الذي أسبغ على خلقه نعمه.

وقد أخبر سبحانه أن الذين آمنوا يحبون الله حبًا شديدًا، فقال عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ [البقرة: 165]. كما أبى الله سبحانه وتعالى على المؤمنين أن يقدموا محبة غيره – أيًّا كانت – على محبته، وجعل من يفعل ذلك من الفاسقين الخارجين عن دائرة حبه ورضاه، فقال جل وعز: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: 24].

وحب الله أساس الإيمان، بحيث لو خلا قلب المؤمن من حب الله لم يكن مؤمنًا باتفاق المسلمين. وإنما يتفاوت الخلق في درجة حبهم لله. وقد طلب سبحانه وتعالى من الذين يزعمون أنهم يحبون الله الدليل العملي على ذلك الحب، فقال جل شأنه: ﴿قُلْ إِنْ كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31].
 

النوع الثالث من الحب، وهو الحب في الله: فهذا النوع هو أساس وحدة المجتمع المسلم. إذ ما أمر الله به من إحسان في المعاملة للوالدين، والأقربين، والجار، والصحبة، وكل من يخالطهم الإنسان، ما كان له أن يتم باعتباره أوامر مخالفة للعاطفة، بل إن الحب في الله هو أساس الإحسان في هذه المعاملات كلها. وقد أخبر ربنا سبحانه وتعالى عن هذا المظهر البديع في موقف الأنصار في تكوين أول نواة للمجتمع المسلم على الأرض فقال: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: 9]. وهذا الحب الصادر من الأنصار للمهاجرين، الذي وصل حد الإيثار على النفس، قد امتدحه الله على أنه النموذج الأعلى للعلاقة بين المسلم وأخيه المسلم.

الحب فى الله

والحب في الله هو أعلى مظاهر الإيمان بالله، ومن أوثق عرى الإسلام. ولهذا أخبر المصطفى ﷺ في أكثر من حديث عن فضل هذا المظهر الجليل والخلق العظيم، وهو حب المرء في الله لأنه من أهل طاعته. نذكر من هذه التوجيهات النبوية ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى يحب المرء لا يحبه إلا لله، وحتى أن يُقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله، وحتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما» [رواه البخاري].

ومن هذه التوجيهات أيضًا ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي» [رواه مسلم]. ومنها ما رواه أبو هريرة أيضًا عن النبي ﷺ قال: «إن رجلًا زار أخًا له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته ملكًا، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: إني أحببته في الله عز وجل. قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه» [رواه مسلم].

ومنها ما رواه معاذ بن جبل قال: سمعت رسول ﷺ يقول: «قال الله عز وجل: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء» [رواه الترمذي]. ومنها ما رواه البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «أوثق عرى الإسلام الحب في الله والبغض في الله» [رواه ابن أبي شيبة في مصنفه].

وهناك الكثير من التوجيهات النبوية الشريفة تنبِّه على منزلة الحب في الله. ولا يخفى أثر ما إذا فشا الحب في الله بين أفراد المجتمع؛ فلك أن تتخيل مجتمعًا متحابًا في الله، لا يظلم أحدهم أخاه، ولا يبيع على بيعته، ولا يخطب على خطبته، ولا يوغر صدره. فيجد المسلم حينئذ أن كل أوامر الله يسيرة عليه إذا ما أحب المسلمين في الله، وإنه ليسير على من يسره الله عليه.

وكذلك لا يخفى ما في الحب في الله من أثر عظيم في نشر الدعوة الإسلامية في أرجاء العالم كله، فإن الدين الإسلامي كي ينتشر لا بد أن يكون المجتمع الإسلامي نموذجًا مشرفًا، بحيث إذا رآه الآخرون أحبوا أن يدخلوا في هذا الدين. وليس هناك أفضل ولا أجمل من أن يرى الآخرون المسلمين متحابين في الله، حتى يحبهم الله عز وجل، ويمكِّن لهم، وييسر لهم أمرهم.

واختتم كلامه عن الحب فى السلام وقال: نسأل الله أن يجعلنا وجميع المسلمين متحابين في جلاله ونسأله أن يثيبنا على هذا بأن يجعلنا في ظله يوم لا ظل إلا ظله والله الهادي إلى سبيل الرشاد وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.