في ظل التصعيد المستمر في الأراضي الفلسطينية، لا سيما في قطاع غزة، جاءت خطوة الاعتراف بدولة فلسطين من قبل ثلاث دول كبرى: بريطانيا، وأستراليا، وكندا، لتثير جدلا واسعا على المستويين السياسي والشعبي.
وبين من رحب بها باعتبارها اعترافا طال انتظاره بشرعية النضال الفلسطيني، ومن رأى فيها تحركا فارغا من المضمون، تجدد النقاش حول معنى هذه الاعترافات، وحدود تأثيرها في ظل ميزان القوى القائم، والانحياز الأمريكي المستمر لصالح إسرائيل.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، إن هذه الاعترافات وإن كانت إيجابية من حيث المبدأ، تظل رمزية في جوهرها. فهي لا تملك القدرة على إحداث تغيير حقيقي في الواقع السياسي أو الميداني، ما دامت إسرائيل تواصل إنكارها لحقوق الشعب الفلسطيني، وتحظى بدعم أمريكي غير محدود.
وأضاف الرقب- خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أن هذه الخطوة يمكن أن تشكل أرضية لتحرك دولي أوسع، إذا ما أحسن استثمارها.
وأشار الرقب، إلى أن فهي تعكس إرادة بعض الدول في التمرد على حالة الصمت والجمود، وقد تشكل بداية لتشكيل جبهة ضغط سياسي ودبلوماسي على الاحتلال.
وشدد الرقب، على أن الاعتراف وحده لا يكفي، بل يجب أن يتبعه حراك دولي واسع، يتضمن فرض آليات للمحاسبة، وتوفير الحماية الدولية للفلسطينيين، وإعادة إحياء مشروع حل الدولتين ضمن سقف زمني ملزم.
وأحدث الاعتراف الأخير بدولة فلسطين من جانب بريطانيا وأستراليا وكندا تطورا سياسيا لافتا في المشهد الدولي، حيث تباينت الآراء بشأن دلالات هذه الخطوة وما إذا كانت تمثل تحولا حقيقيا في مواقف هذه الدول، أم أنها مجرد موقف رمزي لا يغير من واقع الاحتلال شيئا.
وهذه الاعترافات تحمل قيمة سياسية وأخلاقية كبيرة، باعتبارها دعما صريحا للحق الفلسطيني، وتعزيزا لشرعية نضاله ضد الاحتلال، وهي بذلك تعد تمراد واضحا على الرواية الإسرائيلية التقليدية، ورفضا للغطاء السياسي الذي لطالما وفرته الولايات المتحدة لإسرائيل على الساحة الدولية.
في المقابل، هناك من اعتبر هذه الاعترافات تفتقر إلى المضمون الحقيقي، ولا تتجاوز البعد الرمزي، إذ لا تترجم على أرض الواقع إلى خطوات عملية توقف العدوان أو تفرض إرادة سياسية واضحة لردع الاحتلال الإسرائيلي عن انتهاكاته المستمرة.
ولا يزال الاعتراف بدولة فلسطين محصورا في إطار دولة "موجودة وغير موجودة" في آن معا، ففلسطين اليوم تتمتع باعتراف من غالبية دول العالم، ولها بعثات دبلوماسية تمثلها في الخارج، لكن في المقابل، لا تملك حدودا سيادية معترف بها، ولا عاصمة حقيقية، ولا سيطرة فعلية على أراضيها.
والجدير بالذكر، أنه يمكن القول إن الاعتراف الغربي بالدولة الفلسطينية يمثل خطوة لها دلالات سياسية مهمة، لكنه لا يزال في دائرة الرمزية ما لم يتم توظيفه ضمن استراتيجية دولية متكاملة لإجبار إسرائيل على الالتزام بالقانون الدولي ووقف انتهاكاتها.
فالشعب الفلسطيني لا يبحث عن اعترافات نظرية فقط، بل عن خطوات واقعية تضع حدا لمعاناته وتمنحه حقه في الحياة، والحرية، والسيادة على أرضه، والمستقبل وحده سيكشف ما إذا كانت هذه الاعترافات ستبقى مجرد موقف سياسي، أم بداية لتحول حقيقي في مسار الصراع.