قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

د. أمل منصور تكتب: بعد أن أصبحنا وَالِدَين.. كيف نظل حبيبين؟

د. أمل منصور
د. أمل منصور

عندما جاء الأطفال إلى حياتنا، لم يطرقوا الباب بخفة، بل دخلوا بعاصفة من التغييرات قلبت ساعات نومنا، أولوياتنا، وحتى تفاصيلنا الصغيرة التي كانت تشكّل إيقاع حبنا. صارت الأيام تمضي أسرع مما نتخيل، والصباح يبدأ بالمسؤوليات وينتهي بها، وأحيانًا نكتشف أننا لم نتبادل كلمة حب واحدة منذ أيام. في وسط هذه الزحمة، تذوب ملامح الحبيبين في دورين جديدين: الأم والأب، وكأننا نسينا أن هذا البيت قام أساسًا على قصة حب.

من الناحية النفسية، لا تكمن المشكلة في الأطفال أنفسهم، بل في الطريقة التي نعيد بها ترتيب قلوبنا حولهم. فالعقل يصبح مشغولًا على مدار الساعة بأمانهم واحتياجاتهم، والجسد مرهق من قلة النوم والعمل المستمر، والمشاعر تبحث عن متنفس فلا تجده. ومع مرور الوقت، يبهت التعبير عن الحب، ليس لأن المشاعر تراجعت، بل لأننا صرنا نتحدث لغة مختلفة: لغة القوائم والمهام بدلًا من لغة العاطفة.

بالنسبة للرجل، قد يشعر أحيانًا أنه تراجع إلى الصف الثاني في قلب زوجته، ليس لأن حبها تغيّر، ولكن لأن عاطفتها واهتمامها أصبحا موزعين بينه وبين الصغار. من وجهة نظره، هذا التحول قد يوقظ إحساسًا خفيًا بالتهميش أو الحنين إلى الأيام التي كان فيها هو محور اهتمامها الأول. وفي المقابل، كثير من النساء لا يلتقطن هذا الإحساس بسهولة، لأنهن غارقات في العناية اليومية بالأطفال، في حين يتوقعن من الزوج أن يدرك أن انشغالهن لا يعني فتور مشاعرهن.

أما المرأة، فغالبًا ما تشعر أن المسؤوليات تسحب طاقتها العاطفية بسرعة هائلة، خاصة إذا لم تجد مساندة كافية في تفاصيل الحياة اليومية. قد يراودها إحساس بأنها تمنح كل ما تملك من وقت وجهد وحنان للصغار، وتحتاج من الزوج أن يملأ الفراغ العاطفي الذي يتركه الإرهاق. هذه المسافة العاطفية إذا طال أمدها قد تجعلها تتساءل: هل نحن ما زلنا شريكين في الحياة، أم مجرد والدين يعيشان في البيت نفسه؟

نلاحظ هذا التحول حين تصبح الحوارات بين الزوجين أقرب إلى الاجتماعات الإدارية منها إلى الأحاديث الدافئة، وحين تنخفض المبادرات الرومانسية تدريجيًا حتى تختفي، وحين يشعر أحد الطرفين بالعزلة العاطفية رغم التواجد الجسدي المستمر. عندها، يكبر الحنين إلى ذلك الحب القديم الذي كان يتنفس بسهولة، لكننا لا نعرف من أين نبدأ لاستعادته.

الحقيقة أن الحب بعد الأطفال لا يمكن أن يبقى حيًا بالصدفة، بل يحتاج إلى رعاية مقصودة، تمامًا كما نرعى أبناءنا. فالأمر يبدأ بقرار أن نخصص وقتًا لأنفسنا مهما كانت المسؤوليات، حتى لو كان نصف ساعة في الأسبوع نتحدث فيها كحبيبين لا كوالدين. ويستمر بالتفاصيل الصغيرة التي قد تبدو عابرة، لكنها تمنح القلب طاقة مذهلة: كلمة "اشتقت لك"، لمسة يد، نظرة أطول من المعتاد، أو رسالة بسيطة في منتصف اليوم.

التعاون في تحمل المسؤوليات يلعب دورًا جوهريًا هنا؛ فحين يشعر أحد الطرفين أن الآخر يسانده بصدق ويقدّر جهده، يبقى لديه طاقة للعطاء العاطفي. ليس المطلوب أن تتساوى الأدوار حرفيًا، بل أن يتكامل دور كل طرف مع الآخر، بحيث لا يشعر أي منهما أنه يواجه الأعباء وحده.

وحتى المغامرات الصغيرة تصنع فرقًا؛ فلا ننتظر السفر أو المناسبات الكبيرة، بل نصنع لحظات غير متوقعة، كخروج قصير ليلًا أو فنجان قهوة في مكان جديد. فهذه اللحظات الصغيرة، وإن بدت عابرة، تعيد للأرواح خفتها وللحب لونه الأول.

في علم النفس الأسري، الأزواج الذين ينجحون في الحفاظ على حبهم بعد الإنجاب هم الذين يدركون أن العلاقة بين الزوجين هي الأساس العاطفي الذي يقوم عليه البيت كله، وأن الأطفال يتعلمون الحب من الطريقة التي يحب بها والداهم بعضهما أكثر مما يتعلمونه من أي نصائح أو كلمات. الحب هنا يصبح أكثر هدوءًا وأقل اندفاعًا من بداياته، لكنه أعمق وأكثر رسوخًا إذا واصلنا تغذيته بالاهتمام والوقت والدفء.

الأبوة والأمومة ليست نهاية الحب، بل هي مرحلة يختبر فيها نضجه وقدرته على الصمود أمام الضغوط. وإذا كان الأطفال قد أضافوا إلى حياتنا ضحكاتهم وصخبهم، فإن من حقنا أن نحتفظ نحن أيضًا بمساحتنا الخاصة، تلك التي نلتقي فيها بعيدًا عن المسؤوليات، ونذكّر أنفسنا أننا قبل أن نصبح "ماما" و"بابا"، كنا — وما زلنا — حبيبين.