قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

ما هو الإحسان؟.. النبي أوجزه بعمل واحد يجعلك ممن يحبهم الله

ما هو الإحسان
ما هو الإحسان

لعل كثرة ما ورد في فضل الإحسان وثوابه في الدنيا قبل الآخرة ، وأن الله تعالى يحب المحسنين ، يجعل كل عاقل يسعى لمعرفة ما هو الإحسان ليكن واحدًا من هؤلاء الفائزين بالدنيا والآخرة ويكون من المحسنين ، الذين يحبهم الله تعالى ، وقد سهل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بلوغ المراد ونيل هذه المنزلة عندما أوجز لنا ما هو الإحسان في عمل واحد .

ما هو الإحسان

وقال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إنه عندما سُئِلَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم -صلى الله عليه وسلم- : ما الإحسان ؟ قال: ( أن تعبد الله كأنك تراه )، فانظر إلي الدقة (كأنك) أي من شأنك أن تراه.

وأوضح “ جمعة” ما هو الإحسان .، أن الكاف هنا يسمونها ( كاف التشبيه )، إذاً هذه ليست رؤية حقيقية، إنما هي رؤية تمثيلية، يعني: كأنك ترى، فهذا يشبه الرؤية لكنه ليس برؤية؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - لا يُرى في الدنيا بالأبصار، إنما تقبل عليه القلوب : (قلوب العارفين لها عيون * ترى ما لا يراه الناظرون).

وأضاف أن العيون ليست هي العيون التي لها مقلة وطرف ومآق، بل العيون تكون في البصيرة، فتكون أعلى مما هي عليه في البصر، فقلوب العارفين لها عيون أي بصيرة، وتوسم، ونظر بنور الله.

وأردف: فترى بذلك ما لا يراه البشر، الذين اعتادوا الرؤية الحسية بعيونهم هذه؛ لأن الله تعالى { لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ } فالإله لا يحيط به حد، ولا تنظر إليه مقلة.

وأشار إلى أن موسى كليم الله قال: { رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي ولكن انظُر إلَى الجَبَلِ فَإنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكاً وخَرَّ مُوسَى صَعِقاً} فهذا شيء فوق طاقة البشر، وفوق طاقة الأكوان، ولا يري بالعيون المجردة هذه، ولذلك لما أخبر عن حال المؤمنين في الآخرة قال: { وجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } فذكر الوجه وليس العين.

وأفاد بأنه يقرأ بعض العارفين بالله الحديث ( اعبد الله كأنك تراه ) يعني راقب نفسك المراقبة التامة المستمرة، لدرجة أن سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يراقب نفسه بالأنفاس، فلا يدخل نفس إلا وهو يتأمل، ويتدبر، ويستحضر عظمة الله، ولا يؤمل أن يخرج، أي أنه ينتظر الموت دائماً، وبصفة مستمرة، ولا يخرج نفس ويأمل أن يدخل.

وتابع: فهل مثل هذا الإنسان تصدر منه المعصية ؟ هل مثل هذا الاستحضار يصدر معه التقصير؟ هل مثل هذه الحالة يصدر منها الظلم؟ دائما سيكون مع الله، مع هذه الفكرة الدائمة، يقول: ( اعبد الله كأنك تراه ) .

ولفت إلى أنه يعني بها مقام المراقبة، ثم تأتي مرحلة أخرى: ( فإن لم تكن تراه فهو يراك ) هذه مرتبة أقل من المرتبة الأولى، فإنك لا تستطيع أن تكون دائم الذكر له على هذه المرتبة العالية، التي وصل إليها عمر رضي الله عنه وأولياء الله الصالحون رضي الله تعالى عن الجميع ، فاعلم أنه سبحانه يراك، ويعلم سرك ونجواك، فاتق وخف.

ونبه إلى أن معنى: ( اعبد الله كأنك تراه ) أنك لا تنسى أبداً، وليستمر ذلك معك طوال يومك حتى تصل إلى درجة الفناء، فإذا فنيت عن نفسك، وعرفت أن وجودك يحتاج إليه - سبحانه وتعالى - وهو لا يحتاج إليك، ووجدت أن الوجود الحقيقي إنما هو وجوده - سبحانه وتعالى - ووجودنا إنما هو وجود عارض، وحادث، وفانٍ، وله نهاية، فإنك تصل إلي مرحلة الرؤية، فالفضل من قبل ومن بعد لله وحده.

أنواع الإحسان

ورد أن الإحسان ثلاثة أنواع؛ اثنان منهما يتعلقان بعبادة الله سبحانه وتعالى، والثالث يتعلق بالقيام بحقوق المخلوقات:

  • لإحسان المُتَعلق بعبادة الله حيثُ يتحقّق في عبادة الله سبحانه وتعالى؛ خوفاً منه وهرباً إليه، ولا يكون ذلك إلّا باجتناب نواهيه سبحانه، والإقبال على طاعته، والتزام أوامره وما يُرضيه؛ فقال تعالى: ( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ).
  • الإحسان المُتَعلق بعبادة الله عبادة الشوق ولكنَّه أعلى مرتبةً من النوع الأول؛ فالإحسان هنا يَتَعلق بعبادة الله عبادة الشوق، والأُنس بقربه سبحانه وتعالى، وتَتَحقق هذه العبادة حينما يَصل المؤمن إلى درجةٍ يُصبح فيها مُشتاقاً إلى عبادة ربه سبحانه وتعالى، وحَريصاً على أداء العبادة؛ لما يشعر به من لذّة بمناجاة الله، والقربِ منه، والأنس به.

وقد وَرد عن النّبي -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال:(سبعةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تعالى في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ: إمامٌ عدلٌ، وشابٌّ نشأَ في عبادةِ اللهِ، ورجلٌ قلبُهُ مُعَلَّقٌ في المساجدِ، ورجلانِ تحابَّا في اللهِ، اجتمعا عليهِ وتفرَّقا عليهِ، ورجلٌ دعَتْهُ امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمالٍ، فقال: إني أخافُ اللهَ، ورجلٌ تصدَّقَ بصدقةٍ ، فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُهُ ما تُنْفِقْ يمينُهُ، ورجلٌ ذَكَرَ اللهَ خاليًا ففاضتْ عيناهُ )، فإشارته -عليه الصلاة والسلام- إلى الرجل الذي تعلّق قلبه بالمساجد تدل على هذا النوع من أنواع الإحسان.

  • إحسان في القيام بحقوق جميع الخلق ويَتحقّق هذا النوع من الإحسان؛ من خلال الإحسان إلى الوالدين، وكذلك صلة الرحم، والإحسانُ في إكرام الضيف، والإحسانُ في مساعدة الفقير، ومن الإحسان في هذا الباب الإحسانُ إلى الحيوانات.

 فقد رُوي عن الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (بينما رجلٌ يمشي بطريقٍ اشتدَّ عليهِ العطَشُ فوجدَ بئرًا فنزلَ فيها فشرِبَ ثمَّ خرجَ فإذا كلبٌ يلهَثُ يأكلُ الثَّرَى منَ العطَشِ فقالَ الرَّجُلُ لقد بلغَ هذا الكلبَ منَ العطشِ مثلُ الَّذي كانَ بلغَ بِي فنزلَ البئرَ فملأ خفَّهُ ثم أمسَكهُ بفيهِ فسقى الكلبَ فشكرَ اللَّهُ لهُ فغفرَ لهُ قالوا يا رسولَ اللَّهِ وإنَّ لنا في البهائمِ أجرًا فقالَ في كلِّ ذاتِ كبِدٍ رطبةٍ أجرٌ)، للإحسان أنواع عديدة، ومنها: الإحسان في عبادة الله تعالى، والإحسان في عبادة الله تعالى عبادة الشوق، والإحسان في أداء حقوق العباد.

الفرق بين الإحسان والإيمان والإسلام

ورد أن مما ورد في التفريق بين مراتب الدين الثلاث (الإسلامُ، والإيمانُ، والإحسان)؛ الحديث الذي يرويه الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إذ يقول: (بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه.

 ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتُقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت، إن استطعت إليه سبيلا قال: صدقت.

 قال فعجبنا له، يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان.

 قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: فأخبرني عن الساعة، قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، قال: فأخبرني عن أمارتها، قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء، يتطاولون في البنيان. قال ثمّ انطلق، فل

الإحسان في القرآن الكريم

جاء ذكر الإحسان في العديد من الآيات القرآنية، وإن دل ذلك على شيء فهو دليل على أهمية الإحسان وعظيم مرتبته، فوَرد الكلام عن الإحسان في عدة مَواضع في القرآن الكريم منها :

  • قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)؛ قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (وقوله: إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون أي معهم بتأييده ونصره ومعونته وهديه وسعيه وهذه معية خاصة، ومعنى الذين اتقوا أي تركوا المحرمات، والذين هم محسنون أي فعلوا الطاعات، فهؤلاء الله يحفظهم ويكلؤهم وينصرهم ويؤيدهم ويظفرهم على أعدائهم ومخالفيهم).
  • قال الله تبارك وتعالى في معنى الإحسان: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ* الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ* وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ* إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). فالله سبحانه وتعالى يرى الإنسان حال توكله التامُّ على الله وحال قيامه بما عليه من العبادات وبما ليس واجباً وإنما نافلةً وزيادةً على الفرض تحقيقاً لمرضاة الله.
  • و قال الله تبارك وتعالى، وأورد في القرآن من المعاني التي تدل على الإحسان أيضاً؛ حيثُ قال تعالى: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ).

مقامات الإحسان

لقد خلَق الله تبارك وتعالى السماوات والأرضِين وما فيهما لغاية سامية، وحكمة عظيمة.

وجعل الحياة والموت ابتلاء للإنسان بإحسان عمله وصدقِ تقربه إلى الله سبحانه؛ فسخّر الحياة والموت ليَبتلي الناس أيُّهم أحسَنُ عملاً، ووردت العديد من الآيات في القرآن الكريم لتُقرّر هذا المعنى، قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ).

وورد أنه حتى يَسير المؤمنُ في درب الإحسان في جميع ما يَصدر عنه من أعمالٍ، وأقوالٍ، وتصرّفات؛ فإنَّ عليه معرفة الله سبحانه حق المعرفة، وعليه كذلك مراقبته سبحانه وتعالى في كلّ الأحوال، وأن يَتيقّن بأنّ الله سبحانه مُطّلعٌ عليه، وناظرٌ إليه، وأنّ الله على كلّ شيء رقيبٌ شهيد.

لا يغيب عن علمه مِثقال ذرةٍ في السماوات ولا في الأرض، فيَسمو بإحسان العمل وتَعظيم الله كأنَه يراه، ويَلتزم أوامر الله، ويَجتنب نواهيه، ويَبتعد عن كلِّ ما يُغضبه من آثامٍ، ومعاصي؛ استشعاراً لمراقبة الله سبحانه له في جميع أعماله، وحركاته، وسكناته، وللإحسان مقامين أوردهما الإمام ابن رجب في كتبه، وهما :

- مَقامُ الإخلاص: وهو اجتهاد المؤمن في استحضار رؤية الله تبارك وتعالى له، واطِّلاعه عليه، وقُربه منه؛ فالمؤمن إذا استحضر رؤية الله تبارك وتعالى له في جميع عمله، وعَمِل بناءً عليها، فهو مُخلصٌ لله سبحانه وتعالى؛ لأنَّ استحضار المؤمن رؤية الله له في عمله، سيمنعه من الالتفات إلى أي أمرٍ، أو أي شيءٍ غير مرضاة الله، وهذا هو مَقام الإخلاص في الإحسان.

- مَقام الشهادة: وهو عَملُ المؤمن على مقتضى رُؤيته، ومُشاهدته لله بقلبه، وتَتحقّق مُشاهدة المؤمن لله بالمُشاهدة القلبيّة؛ بأن يَتنوّر قلبه بالإيمان، وتَتنوّر بصيرته بالعرفان، فإذا تَحققت هذه الرؤية القلبية، فقد أدرك المؤمن بهذا المَقام مَقام الإحسان وحقيقته.