في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها الساحة الفلسطينية، ولا سيما في قطاع غزة، تواصل القوى الفلسطينية تفاعلها مع المقترحات الدولية الرامية إلى إنهاء الحرب المتواصلة، وتخفيف المعاناة الإنسانية.
وفي هذا الصدد، يقول الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية، إن جاء رد حركة حماس على المبادرة التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف العمليات العسكرية في قطاع غزة متوقعا في طابعه المركب، إذ حمل في طياته ملامح ضبابية وموافقة مبدئية في آن واحد، وأضاف أن هذا الرد يعكس حرص الحركة على إبقاء المجال مفتوحا أمام المفاوضات بشأن تفاصيل وآليات تنفيذ الخطة.
وأضاف الرقب- خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أن الوساطات الإقليمية، خاصة من جانب مصر وقطر وتركيا، لعبت دورا فاعلا في صياغة هذا الموقف، وجاءت جهود هذه الدول لتقريب وجهات النظر وتمهيد الطريق نحو إصدار قرار الحركة، محل إشادة واضحة من مختلف الأطراف المعنية.
وأشار الرقب، إلى أن هذا الموقف الفلسطيني قد لاقى قبولا نسبيا لدى الإدارة الأمريكية، التي رحبت بجزء منه، لا سيما في ما يتعلق بأولوية الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين، وهو بند تعتبره واشنطن من أبرز أهدافها في المرحلة الراهنة.
وتابع: "كما انسجم بيان حماس الأخير مع الأطر العامة التي طرحتها الدول العربية والإسلامية، وذلك عقب المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده ترامب مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، فقد أكد البيان التزام الحركة بالثوابت الفلسطينية، بما في ذلك إقامة دولة فلسطينية، وتنظيم العلاقة المستقبلية بين الفلسطينيين والإسرائيليين في إطار رؤية جديدة للسلام".
وسبق، وأعلنت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عن موافقتها المشروطة على المقترح الذي قدمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والمتعلق بوقف الحرب على قطاع غزة، وتبادل الأسرى، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية للقطاع المحاصر.
وأوضحت الحركة، في بيان رسمي، أن هذه الموافقة جاءت بعد مشاورات موسعة أجرتها داخليا، إلى جانب مشاورات مع مختلف القوى والفصائل الفلسطينية، فضلا عن التواصل مع الوسطاء والأطراف الإقليمية والدولية المعنية.
وأكدت أن موقفها يستند إلى رؤية وطنية شاملة، تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الشعب الفلسطيني وحقوقه غير القابلة للتصرف.
كما أكدت "حماس" أن موافقتها على المبادرة الأمريكية لا تنفصل عن التزامها بموقف وطني فلسطيني جامع بشأن مستقبل قطاع غزة، مشددة على أن مثل هذه القضايا الكبرى لا يمكن حسمها بشكل منفرد أو معزول عن الإجماع الوطني.
وذكرت الحركة أن قرارها بالموافقة المشروطة يأتي انطلاقا من مسؤوليتها الوطنية، وحرصها على وقف العدوان الإسرائيلي المستمر، ورفع المعاناة عن أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، كما شددت على تمسكها بحقوق وثوابت الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه في تقرير مصيره، ورفض التهجير، والتمسك بأرضه ومقاومته.
الترحيب بالجهود الإقليمية والدولية
وأعربت "حماس" عن تقديرها الكبير للجهود العربية والإسلامية والدولية المبذولة من أجل إنهاء الحرب، مؤكدة استعدادها الفوري للانخراط في مفاوضات غير مباشرة عبر الوسطاء، لبحث آليات تبادل الأسرى وفق ما ورد في المبادرة الأمريكية، شرط توفر ظروف ميدانية مناسبة.
وفي هذا السياق، شددت الحركة على أن أي تقدم في ملف الأسرى يجب أن يكون مشروطا بالانسحاب الكامل من قطاع غزة، ورفض أي محاولات لتهجير السكان الفلسطينيين أو إعادة تشكيل الواقع الجغرافي والديموغرافي للقطاع بالقوة.
شروط تسليم إدارة غزة
وحول مستقبل إدارة القطاع، أكدت "حماس" أنها منفتحة على تسليم إدارة غزة إلى هيئة فلسطينية مكونة من شخصيات مستقلة، بشرط أن يتم ذلك ضمن إطار وطني توافقي، وتحت ضمانة عربية وإسلامية واضحة، تكفل الاستقرار وتمنع أي محاولات خارجية للهيمنة أو التدخل في القرار الفلسطيني.
كما أكدت أن قضايا مستقبل القطاع وحقوق الشعب الفلسطيني السياسية والوطنية لا يمكن حسمها إلا في إطار وطني شامل يضم جميع الفصائل والقوى الفلسطينية، بما يضمن الحفاظ على وحدة الموقف والرؤية السياسية.
وفي سياق متصل، صرح القيادي البارز في "حماس"، موسى أبو مرزوق- خلال تصريحات له، أن المبادرة الأمريكية "لا يمكن تنفيذها دون الدخول في مفاوضات حقيقية"، موضحا أن بعض البنود التي تتضمنها المبادرة، مثل تسليم الأسرى والجثامين خلال 72 ساعة، تعتبر غير واقعية في ظل الأوضاع الميدانية الحالية.
وأشار أبو مرزوق إلى أن الحركة تنظر بإيجابية إلى أي مبادرة إقليمية أو دولية تضمن وقف الحرب، وتضع تصورا لمستقبل سياسي عادل للشعب الفلسطيني، كما شدد على أن المقاومة الفلسطينية ستتعامل بجدية ومسؤولية مع كل ما يتعلق بالقضايا المصيرية، وعلى رأسها ملف السلاح، باعتباره أحد أهم ركائز الدفاع عن الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
والجدير بالذكر، أن يأتي هذا الموقف من "حماس" في ظل تعقيدات المشهد السياسي والأمني في غزة، وبينما تسعى أطراف دولية وإقليمية إلى دفع عجلة الحلول السياسية والإنسانية، فإن تمسك الحركة بمحددات وطنية واضحة يشير إلى أن أي تسوية مستقبلية ستظل مرهونة بموقف فلسطيني موحد، يوازن بين تطلعات الشعب ومقتضيات الواقع.