عقد مجمع البحوث الإسلامية، اليوم الثلاثاء، ندوة في جامعة أسيوط، تحت عنوان: “العِلم قاطرة الحراك الحضاري” وذلك ضِمن فعاليَّات الأسبوع الدعوي الرابع عشر، الذي تُنظِّمه اللجنة العُليا للدعوة بالمجمع تحت عنوان: (مفاهيم حضاريَّة)، برعاية الإمام الأكبر د. أحمد الطيِّب، شيخ الأزهر الشريف، وبإشراف د. محمد الضويني، وكيل الأزهر، ود. محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلاميَّة.
البحوث الإسلامية تعقد ندوة عن دور العلم في قيادة النهضة الحضارية
وشارك في الندوة كلٌّ مِن د. صابر السيِّد، عميد كلية اللُّغة العربيَّة بجامعة الأزهر في أسيوط، ود. إمام الشافعي، عميد كلية البنات الأزهريَّة بالمنيا، والشيخ يوسف المنسي، عضو أمانة اللجنة العُليا لشئون الدعوة.
وفي كلمته، أكَّد الدكتور صابر السيِّد أنَّ طلب العِلم فريضةٌ لا تسقط عن المسلم ولا عن كلِّ عاقل، وأنَّ العِلم ارتقاءٌ بالنفْس، وتزكيةٌ للعقل، وسعيٌ دائمٌ للاستزادة، اقتداءً بالنبي ﷺ الذي أمره ربه قائلًا: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}، مبيِّنًا أنَّ العِلم يهذِّب الأخلاق، ويُنير البصائر، ويُورِث الخشية مِنَ الله، فهو أساس النهضة، ووسيلة بناء حياة أكثر وعيًا وكرامة.
ولفت الدكتور السيِّد إلى أنَّ أخلاقيَّات البحث العِلمي هي جوهر العمليَّة البحثيَّة وروحها، وأنَّ الأمانة والصدق والموضوعيَّة واحترام جهود الآخرين منهج يجب الالتزام به، موضِّحًا أنَّ الباحث الحقَّ لا ينحاز لهوًى؛ بل يقف في ميزان العدل الذي أمر به الله تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}.
من جانبه، قال الدكتور إمام الشافعي: إنَّ العِلم هو القوَّة التي غيَّرت مسارات الأمم عبر التاريخ، مؤكِّدًا أنَّ الإنسان خُلق مميَّزًا بالعقل، وبقدْر ما يستثمره يقدر على أن يصنع حضارته، وإنَّ البشرية لم تبلغ ما بلغته من تطوُّر إلا حين تجاوزت حاجات الحياة الماديَّة ووظَّفت عِلمها في تشييد حضارات كبرى؛ بَدءًا مِنَ المصريَّة القديمة، مرورًا بالرومانيَّة، وصولًا إلى الحضارة الإسلاميَّة التي وحَّدت بين الإيمان والعقل، فغيَّرت وجه التاريخ، ونقلت العالَم مِنْ ظلمة الجهل إلى نور المعرفة، ثم كانت أساس نهضة أوروبا بعد عصورها الحالكة.
وتابع الدكتور الشافعي أنَّ العِلم كان المحطَّة الفاصلة في انتقال العرب –من خلال الإسلام وتعاليمه السمحة- من حياة البداوة والانغلاق إلى صناعة حضارة امتدَّ سلطانها قرونًا، وبلغت بعلومها العالَم كلَّه، لافتًا إلى أنَّ أيَّة أمَّة تطمح إلى تغيير واقعها مطالبةٌ بفتح أبواب العِلم، وبناء دُور تعليم حقيقي يقوم على الكيف وليس الكم، وتشجيع البحث العِلمي بزيادة الإنفاق المادِّي على العمليَّة التعليميَّة، وإيفاد العلماء للاطِّلاع على ما وصل إليه الآخرون من تقدُّم، محذِّرًا مِنْ أنَّ التخلُّف عن ركْب العِلم لا يخلُّف إلا ميراث الجهل والفقر والمرض.
في السياق ذاته، أشار الشيخ يوسف المنسي إلى أنَّ العِلم يمثِّل القاطرة الحقيقيَّة للحراك الحضاري، موضِّحًا أنَّ التقدُّم يتحقَّق بمنهج علمي واعٍ يقوم على الفهم والكشف والتجريب، كما أكَّد أنَّ العَلاقة بين العِلم والحضارة علاقة أصل وثمرة؛ فالعِلم هو القوَّة الدافعة التي تنقل الأمم مِنَ الجمود إلى النُّمو.
وأوصى الشيخ المنسي الطلَّابَ بترسيخ أخلاقيَّات البحث العِلمي؛ بوصفها الضابط الأخلاقي لمسار التقدُّم، مشيرًا إلى أنَّ العِلم بلا قِيَم قد يتحول إلى قوة مدمرة لا نافعة، داعيًا إلى استلهام النموذج الحضاري الإسلامي الذي جمع بين الاكتشاف والإبداع من جهة، والمسئوليَّة تجاه الإنسان والمجتمع من جهة أخرى.
وتستمر فعاليَّات الأسبوع الدَّعوي الرابع عشر في جامعة أسيوط حتى يوم الخميس المقبل، بمشاركة نخبة من علماء الأزهر الشريف، تتنوَّع خلالها الندوات الفِكريَّة التي تناقش قضايا: الحضارة، والعِلم، والقِيَم، والحُريَّة المسئولة، وحقوق الإنسان في ضوء الشريعة الإسلاميَّة.



