زيارة الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى القاهرة لم تكن مجرد خطوة دبلوماسية عابرة، بل جاءت في توقيت محوري يحمل رسائل سياسية وأمنية عميقة..هذا ما أكده اللواء نبيل السيد، الخبير العسكري والاستراتيجي، بالأخص مع تفاقم الوضع الداخلي في السودان واتساع رقعة العمليات العسكرية وتزايد معاناة المدنيين.
ويشير إلى أن القاهرة تنظر إلى السودان باعتباره امتدادًا طبيعيًا وعمقًا استراتيجيًا للأمن القومي المصري، مما يجعل كل تطور في الساحة السودانية ينعكس مباشرة على حسابات واستقرار مصر.
زيارة في لحظة حاسمة
اللواء نبيل السيد يؤكد أن البيان الرسمي الصادر عن الرئاسة المصرية بشأن الزيارة يحمل دلالات بالغة الأهمية، إذ تضمن لغة حاسمة وصريحة بشأن ما وصفته القاهرة بالخطوط الحمراء التي لا يمكن السماح بتجاوزها تحت أي ظرف. ويشرح أن أولى هذه الخطوط تتعلق بوحدة السودان وسلامة أراضيه، وهو أمر تعتبره مصر مسألة وجودية، خاصة في ظل تعدد الأطراف المسلحة وتصاعد الدعوات لتجزئة الأرض أو فرض كيانات سياسية موازية.
ويري السيد أن القاهرة رفضت الاعتراف بأي قوة خارج إطار الدولة السودانية لأنها تدرك أن تقسيم السودان أو إضعاف مؤسساته يعني فتح الباب أمام حالة فوضى إقليمية يصعب السيطرة عليها.
مؤسسات الدولة.. صمام أمان السودان
من جانب آخر، يرى اللواء نبيل أن تشديد مصر على حماية مؤسسات الدولة السودانية يعكس قناعة واضحة بأن سقوط هذه المؤسسات سيقود البلاد إلى مسار تفكيك شامل، وربما إلى حرب أهلية طويلة الأمد.
فمصر، كما يقول، تدرك أن وجود دولة مركزية قوية في الخرطوم هو شرط أساسي لتحقيق الاستقرار الإقليمي، ولذلك جاءت رسالتها واضحة بأن المساس بالمؤسسات خط أحمر يستدعي استعدادًا لاتخاذ التدابير المطلوبة وفق ما يسمح به القانون الدولي واتفاقيات الدفاع المشترك بين البلدين.
ويضيف السيد أن القاهرة لا تنظر إلى الزيارة باعتبارها مجرد لقاء سياسي، بل باعتبارها جزءًا من تحرك دبلوماسي وأمني واسع النطاق، في ظل دورها داخل الرباعية الدولية الساعية لوقف إطلاق النار وفتح ممرات إنسانية آمنة.
ويشير إلى أن مصر تُحصّل خلال هذه المرحلة زخمًا سياسيًا مهمًا، يضعها في قلب المشهد السوداني كلاعب أساسي قادر على التأثير في مسار الأحداث وتوجيهها نحو حلول أكثر توازنًا بعيدًا عن سيناريوهات الانهيار والتقسيم.
رسائل مزدوجة للداخل والخارج
ويؤكد اللواء نبيل السيد أن الزيارة حملت أيضًا رسائل واضحة للداخل السوداني، أهمها أن مصر ملتزمة بالوقوف إلى جانب الدولة السودانية وليس أي طرف آخر، وأنها لن تسمح بانحراف مسار السودان نحو التفكك أو الفوضى، أما الرسالة الموجهة للخارج فتتمثل في أن أي ترتيبات تخص المشهد السوداني لا بد أن تمر عبر القاهرة أو على الأقل بالتنسيق معها، باعتبارها الأقرب جغرافيًا والأكثر ارتباطًا تاريخيًا والأشد تأثرًا بما يجري على الأرض.
ملامح مرحلة جديدة في العلاقات
في الختام، يرى الخبير الاستراتيجي أن زيارة البرهان إلى مصر تُفتح صفحة جديدة في مسار العلاقات بين القاهرة والخرطوم، صفحة تضع قواعد ثابتة للعلاقة وتحدد ملامح المرحلة المقبلة بوضوح غير مسبوق.
وبرغم تعقيدات الوضع داخل السودان، إلا أن القاهرة بحسب تقديره تحاول الدفع نحو مسار يحفظ الدولة السودانية من الانهيار ويحمي المنطقة من تداعيات قد تمتد لسنوات، والرسالة الأبرز التي خرجت بها الزيارة يمكن تلخيصها في أن أمن السودان ليس شأنًا داخليًا يخص الخرطوم وحدها، بل قضية وجود ترتبط مباشرة بثوابت الأمن القومي المصري.