قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

علي أحمد باكثير.. أديب حمل التاريخ على خشبة المسرح

 علي أحمد باكثير
علي أحمد باكثير

لا تمرّ ذكرى ميلاد علي أحمد باكثير بوصفها تاريخًا عابرًا في سجل الأدب العربي، بل تأتي كل عام لتوقظ سؤالًا مهمًا: كيف استطاع أديب واحد أن يجمع بين عبقرية الشعر، وعمق المسرح، وروح الرواية، وأن يجعل من التاريخ مادة حيّة تنبض على خشبة المسرح وصفحات الكتب؟ إن الحديث عن باكثير هو حديث عن مشروع فكري وأدبي متكامل، آمن بالكلمة رسالة، وبالفن مسؤولية، وبالتاريخ منبعًا للرؤية لا مجرد حكاية تُروى.

الميلاد والنشأة والتكوين الفكري
وُلد علي أحمد باكثير في 21 ديسمبر 1910 بمدينة سورابايا في إندونيسيا، لأبوين حضرميين، في بيئة امتزج فيها البعد الإسلامي بالتعدد الثقافي، وما إن بلغ العاشرة من عمره حتى انتقل إلى حضرموت، حيث كانت الانطلاقة الحقيقية لتكوينه العلمي واللغوي، في سيئون، تلقّى علوم اللغة العربية والفقه والشريعة على أيدي كبار العلماء، وفي مقدمتهم عمه القاضي والشاعر محمد بن محمد باكثير، هناك تشكّلت شخصيته الأدبية، وبرزت موهبته مبكرًا، فنظم الشعر في سن الثالثة عشرة، وتولى التدريس وإدارة مدرسة النهضة العلمية وهو في عمر مبكر، ما يعكس نضجًا فكريًا لافتًا.

المحنة الأولى وبدايات الترحال
كانت وفاة زوجته الأولى صدمة إنسانية عميقة في حياته، تركت أثرًا بالغًا في نفسه، ودفعته إلى الرحيل عن حضرموت، بدأ باكثير مرحلة من الترحال شملت عدن والحجاز وشرق أفريقيا، وفي هذه المرحلة كتب أعمالًا شعرية ومسرحية مبكرة، من بينها منظومته نظام البردة ومسرحيته همام في بلاد الأحقاف، وقد أسهم هذا الترحال في توسيع أفقه الثقافي وتعميق نظرته إلى الإنسان والتاريخ.

الاستقرار في مصر وبناء المشروع الأدبي
وصل باكثير إلى مصر عام 1934، فوجد فيها البيئة التي احتضنت موهبته ومنحته مساحة للتجريب والتجديد، التحق بجامعة فؤاد الأول، ودرس اللغة الإنجليزية، ما أتاح له الاطلاع المباشر على الأدب الغربي، خاصة المسرح الشكسبيري، وخلال دراسته، ترجم مسرحية روميو وجولييت شعرًا، في خطوة جريئة تعكس قدرته على المزج بين التراث العربي والفن العالمي.

وفي عام 1938، كتب مسرحيته إخناتون ونفرتيتي مستخدمًا الشعر الحر، ليصبح بذلك من أوائل رواد هذا الأسلوب في المسرح العربي، وليؤكد أن التجديد لا يعني القطيعة مع التراث، بل إعادة قراءته برؤية معاصرة.

ريادة المسرح التاريخي والفكري
تميّز مسرح باكثير بكونه مسرحًا فكريًا بامتياز، لا يكتفي بسرد الوقائع التاريخية، بل يعيد طرحها في ضوء قضايا العصر، وقد بلغ هذا الاتجاه ذروته في ملحمة عمر بن الخطاب، التي تُعد إنجازًا فريدًا في تاريخ المسرح العربي والعالمي، في هذه الملحمة، لم يقدّم باكثير عمر بن الخطاب بوصفه شخصية تاريخية فقط، بل بوصفه نموذجًا إنسانيًا للحكم العادل والمسؤولية الأخلاقية.

كما كتب ثلاثية عن غزو نابليون لمصر، تناول فيها الصراع بين القوة والهوية، والاستعمار والمقاومة، في قراءة واعية للتاريخ من منظور وطني.

الرواية والالتزام القومي
إلى جانب المسرح، قدّم باكثير روايات تاريخية واجتماعية مهمة، أبرزها وا إسلاماه، التي جسدت صراع الأمة في لحظات التحول الكبرى، وقد لاقت نجاحًا جماهيريًا واسعًا، وفي أعماله السياسية، عبّر عن وعي مبكر بالقضية الفلسطينية، وتنبأ باحتلال فلسطين في مسرحية مسمار جحا، مؤكدًا أن الأدب قادر على استشراف المستقبل.

السنوات الأخيرة والإرث الثقافي
عمل باكثير في التدريس ثم في وزارة الثقافة المصرية، وأسهم في الحياة الثقافية والفكرية بفاعلية، وحصل على الجنسية المصرية عام 1951،  نال العديد من الجوائز، أبرزها جائزة الدولة التقديرية التي تقاسمها مع نجيب محفوظ، في اعتراف رسمي بقيمته الأدبية.

توفي علي أحمد باكثير في 10 نوفمبر 1969، لكنه ترك وراءه إرثًا أدبيًا ضخمًا يتجاوز الستين عملًا، ما بين مسرحيات وروايات وشعر ودراسات.

في ذكرى ميلاده، يبقى علي أحمد باكثير شاهدًا على قدرة الأدب العربي على الجمع بين الجمال والرسالة، وبين التاريخ والواقع، وبين الأصالة والتجديد، لقد كتب للتاريخ، لكنه في الحقيقة كتب للمستقبل، وظل صوته حاضرًا، يذكّرنا بأن الكلمة الصادقة لا تموت.