كشفت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، في تقرير نشرته يوم الأحد 21 ديسمبر 2025، عن تصدع خطير في قمة هرم القيادة الأوروبية، حيث اتهم دبلوماسيون أوروبيون الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بـ "خيانة" حليفه الألماني، المستشار فريدريش ميرتس.
ويأتي هذا الاتهام على خلفية رفض ماكرون السري لدعم خطة طموحة كان يقودها ميرتس تهدف إلى استخدام الأصول الروسية المجمدة في الاتحاد الأوروبي لتمويل الاحتياجات العسكرية والاقتصادية لأوكرانيا، مما أدى في النهاية إلى انهيار المقترح في بروكسل.
تحالف الرفض و"القتل الصامت" للخطة
وفقاً لمصادر الصحيفة، فإن ماكرون لم يعترض علانية على مقترح "قرض التعويضات" الألماني، لكنه مارس ضغوطاً في الغرف المغلقة للتشكيك في شرعيته القانونية.
وانضم ماكرون في موقفه هذا إلى دول مثل بلجيكا، وإيطاليا، والمجر، وسلوفاكيا، وجمهورية التشيك، مما تسبب في وأد الفكرة تماماً.
وأشارت التقارير إلى أن باريس، المثقلة بالديون العامة، كانت تخشى من تقديم ضمانات مالية في حال أُجبر الاتحاد الأوروبي مستقبلاً على إعادة هذه الأصول إلى روسيا بموجب أحكام قضائية دولية.
ميرتس .. وماكرون "الضعيف"
يعكس هذا الخلاف ديناميكية جديدة بين القوتين الأكبر في أوروبا؛ فمنذ تولي فريدريش ميرتس المستشارية في مايو 2025، تبنت برلين نهجاً أكثر حزماً وقيادة حيث حرر ميرتس ميزانيات ضخمة للدفاع والبنية التحتية.
في المقابل، يرى مراقبون أن ماكرون بات "مكبلاً" بالديون المرتفعة وعدم الاستقرار السياسي في النصف الثاني من ولايته الأخيرة، مما دفعه للانسجام مع مواقف رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني والدول المتخوفة من التبعات القانونية لمصادرة الأصول الروسية.
البديل: قرض الـ 90 مليار يورو
بدلاً من استخدام الأصول الروسية، اضطر القادة الأوروبيون للموافقة على تسوية بديلة تتمثل في تقديم قرض بقيمة 90 مليار يورو (حوالي 105 مليار دولار) لأوكرانيا للفترة بين 2026-2027، مدعوم بميزانية الاتحاد الأوروبي.
وسوف يتحمل دافعو الضرائب في دول الاتحاد تكلفة هذا القرض، باستثناء المجر وسلوفاكيا والتشيك التي حصلت على إعفاءات.
واعتبر ميرتس أن القرض "نجاح كبير"، مشيراً إلى أن أوكرانيا لن تسدده إلا بعد استلامها تعويضات من روسيا، وهو ما يضع الأصول المجمدة كرهينة لضمان السداد مستقبلاً.
ثمن "الخيانة" السياسية
ختاماً، يرى دبلوماسيون أن ماكرون "سيدفع ثمناً سياسياً" لتراجعه عن دعم حليفه الألماني في هذه اللحظة الحرجة.
هذا التوتر لا يهدد فقط وحدة الموقف الأوروبي تجاه موسكو، بل يضعف أيضاً قدرة القارة على التصرف ككتلة موحدة أمام تحركات الإدارة الأمريكية الجديدة والضغوط الاقتصادية العالمية.
إن "الخيانة" التي تحدثت عنها الفاينانشال تايمز تفتح الباب أمام مرحلة من البرود في العلاقات "الباريسية-البرلينية"، في وقت تحتاج فيه أوروبا إلى أقصى درجات التنسيق لمواجهة تحديات الأمن والطاقة.