قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

مستشار شيخ الأزهر للوافدين: الطبيب الأزهري لا يبيع الألم ولا يتاجر بالإنسان

مستشار شيخ الأزهر لشؤون الوافدين
مستشار شيخ الأزهر لشؤون الوافدين

قالت أ.د/ نهلة الصعيدي، مستشار شيخ الأزهر لشؤون الوافدين، ورئيس مركز تطوير تعليم الطلاب الوافدين، إننا نلتقي اليوم في مشهد يفيض فخرًا واعتزازًا، مشهدٍ تتعانق فيه الدموع مع الابتسامات، وتلتقي فيه سنوات التعب الطويلة بلحظة الوفاء والإنصاف، ويوم تخرجكم ليس مجرد مناسبة احتفالية، بل هو المحطة الفارقة في مسيرة العمر، تنتقلون فيها من مقاعد التلقي إلى ساحات المسؤولية، ومن حدود المعرفة النظرية إلى فضاء الأمانة العملية، حيث يصبح الإنسان أمانة في أعناقكم، والحياة وديعة بين أيديكم.

وأضافت مستشار شيخ الأزهر لشؤون الوافدين، خلال حفل تخرج الطلاب الوافدين من كلية الطب بجامعة الأزهر، أن اختيارهم لدراسة الطب هو اختيار لرسالة عظيمة ومسؤولية جسيمة، فالطب مسؤولية إنسانية لا تنقضي بانقضاء ساعات العمل، مؤكدة أن الطبيب الحق هو من يدرك أن خلف كل ملف مريض قصة إنسان، وخلف كل شكوى قلبًا خائفًا، وخلف كل جسد عليل أسرة تتألم وأملًا يتشبث بالحياة.

واستكملت حديثها، بأن خصوصية هذا اليوم تتضاعف، لأن الخريجين تخرجوا من كلية الطب في رحاب الأزهر الشريف، هذا الصرح الذي لم يكن يومًا مجرد جامعة، بل كان – على امتداد أكثر من ألف عام – ضمير الأمة الحي، ومرجعها العلمي والأخلاقي، ومنارة الاعتدال والوسطية، مشيرة إلى أن الأزهر جمع بين علوم الدين وعلوم الدنيا، وربط المعرفة بالإيمان، والعلم بالأخلاق، فجعل من الإنسان غاية كل علم، ومن عمارة الأرض مقصدًا لكل فكر.

وتابعت «الصعيدي» قائلة: لقد جئتم إلى مصر وقلوبكم مملوءة بالشغف، وتركتم وراءكم أوطانًا وأهلًا وأحبابًا طلبًا للعلم، وتحملًا للمشقة، وإيمانًا بأن الأزهر يستحق الرحلة، وأن العلم الذي يُؤخذ فيه علم متصل بالقيم، ومشبع بالإنسانية، واليوم وأنتم تقفون على منصة التخرج، فإنكم تحملون هوية أزهرية عالمية، ورسالة أخلاقية، وثقة كبرى وضعها فيكم هذا الصرح العريق.

وأكدت أن الطبيب الأزهري ليس طبيبًا عاديًا، لأنه تشكّل في بيئة علمته أن حفظ النفس مقصد شرعي، وأن كرامة الإنسان مقدمة على كل اعتبار، وأن الرحمة ليست ضعفًا، موضحة أن الطلاب تعلموا في الأزهر كيف يُصغون إلى أنين الإنسان، ويفهمون الألم في أبعاده الجسدية والنفسية والاجتماعية، وكيف يكون الطب رسالة رحمة بعيدة عن التجارة والاستغلال.

وبيّنت أن العالم الذي يستعد الخريجون لدخوله اليوم عالم شديد التعقيد ومتسارع الإيقاع، تتقدم فيه التقنيات الطبية تقدمًا مذهلًا، لكنه – في الوقت ذاته – يعاني فقرًا في القيم، واختلالًا في العدالة الصحية، وتفاوتًا صارخًا بين من يملك العلاج ومن يُحرم منه، مؤكدة أنه وللأسف أصبح الطب في بعض البيئات سلعة، وأضحى المريض رقمًا، وتراجع البعد الإنساني أمام سطوة الربح والمصلحة.

وأضافت، أنه هنا تبرز الحاجة الماسة إلى الطبيب الأزهري، الذي لا يقيس نجاحه بعدد العمليات فقط، بل بقدر ما يزرع من طمأنينة، ويخفف من معاناة، ويحفظ من كرامة، طبيب يستحضر في كل ممارسة مهنية قول الله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}، فيجعل من عمله عبادة، ومن وقته صدقة، ومن علمه أمانة.

وقدمت "الصعيدي" ثلاث وصايا جامعة للعلم والأخلاق والإنسان، مؤكدة أن التخرج ليس نهاية التعلم، بل بدايته الحقيقية، وأن الأخلاق هي روح المهنة وميزانها الدقيق، مشددة على عدم نسيان الإنسان، والاقتراب من الفقراء، وأن يكون الأطباء سندًا للضعفاء، وألا تُجعل العيادات حكرًا على القادرين، مؤكدة أنه حيثما كان الألم، هناك يجب أن يكون الطبيب.

وتابعت أن الخريجين سيعودون قريبًا إلى أوطانهم حاملين علم الأزهر وفكره المعتدل وروحه الإنسانية، داعية إياهم لأن يكونوا سفراء خير، وبناة جسور، وعناوين أمل، وأن يشاركوا في بناء أنظمة صحية عادلة، ونشر ثقافة الوقاية، والإسهام في توعية مجتمعاتهم، وجعل الطب أداة نهضة، مؤكدة أن رسالة الطبيب لا تعرف حدودًا ولا أعراقًا ولا أديانًا، فحيثما وجد الإنسان، هناك ميدانهم، وحيثما وجد الألم، هناك رسالتهم.

واختتمت مستشار شيخ الأزهر لشؤون الوافدين كلمتها بالتأكيد على أن الأزهر، وهو يزف الخريجين اليوم إلى ميادين العمل، يفعل ذلك وهو مطمئن وواثق بأن فيهم من يحمل الرسالة بحق، ويحفظ العهد، ويصون الأمانة، داعية إياهم إلى أن يكونوا على قدر هذه الثقة، وأن يرفعوا اسم الأزهر عاليًا بأخلاقهم قبل مهاراتهم، وبإنسانيتهم قبل شهاداتهم.