أكد الدكتور محمود الأبيدي، أحد علماء وزارة الأوقاف، أن الرضا بقضاء الله وقدره هو المفتاح الحقيقي للخروج من دائرة الحزن والضيق النفسي، موضحًا أن الإنسان قد يمر بابتلاءات قاسية، لكن نظرته لها هي التي تحدد أثرها في قلبه ونفسه.
واستشهد الأبيدي بتوجيهات الشيخ محمد متولي الشعراوي، رحمه الله، الذي عبّر عن هذا المعنى بقوله: "أغلق باب الحزن بمسمار الرضا"، في إشارة إلى أن الرضا يحمي القلب من الاستسلام للألم واليأس.
وبيّن أن الإنسان إذا عاش حزنه وهو راضٍ بالله، فإنه لا يفقد ثقته في رحمته وعدله، بل يوقن أن كل ما يقدّره الله سبحانه وتعالى إنما هو خير، حتى وإن خفيت حكمته في البداية، لأن رسائل الله لعباده كلها رحمة ولطف، وإن جاءت في صورة ابتلاء.
درس من سيرة النبي ﷺ في مواجهة الحزن
وأشار الدكتور محمود الأبيدي إلى ما تعرض له النبي ﷺ من أذى وحزن شديد بعد عودته من الطائف، حين قوبل بالرفض والإيذاء، إلا أنه لم يلجأ إلا إلى الله، وبثّ شكواه بين يديه في دعائه المعروف.
وأوضح أن الله سبحانه وتعالى أرسل إليه ملك الجبال، ليكون هذا الموقف شاهدًا على أن أول طريق الخروج من الحزن العميق هو الالتجاء إلى الله والرضا بقضائه والتوكل عليه.
وأكد الأبيدي أن هذا المشهد النبوي يعلّم الأمة أن الشدائد لا تُقابل باليأس، بل بالثقة في الله، وأن الفرج قد يأتي من حيث لا يحتسب الإنسان.
الحزن الطويل مدخل من مداخل الشيطان
وخلال حديثه في برنامج "مع الناس" المذاع على قناة الناس، أوضح الأبيدي أن الحزن إذا طال أمده وتمكن من القلب، فإنه قد يتحول إلى أداة يستخدمها الشيطان لإحباط المؤمن وإضعاف عزيمته. فوظيفة الشيطان الأساسية هي بث اليأس وإشعار الإنسان بالعجز والانكسار، حتى يفقد الأمل في رحمة الله.
وشدّد على أن المؤمن الواعي هو من لا يترك للحزن فرصة للسيطرة على قلبه، بل يواجهه بالإيمان واليقين، مستندًا إلى قول الله تعالى:"وعلى الله فليتوكل المؤمنون".
حسن التوكل: تسليم القلب لله
وبيّن الأبيدي أن حسن التوكل لا يعني التواكل أو ترك الأخذ بالأسباب، وإنما يعني أن يجعل الإنسان الله سبحانه وتعالى هو المدبر الحقيقي لشؤونه، فيطمئن قلبه ولا يتعلق بالأسباب وحدها. فمن توكل على الله حق التوكل، جعل الله له وكيلاً، فلا يضره أحد إلا بإذن الله، ولا ينفعه أحد إلا بإذن الله.
وأضاف أن القلب إذا لم يُسلَّم لله، قد تسيطر عليه الأحزان أو الشهوات أو التعلّق الزائد بالدنيا، أما إذا امتلأ بالتوكل، امتلأ بالسكينة والرضا.
القرآن الكريم: الشفاء من الحزن والاكتئاب
وأكد الدكتور محمود الأبيدي أن القرآن الكريم هو العلاج الرباني لكل من يمر بمرحلة حزن أو اكتئاب، مستشهدًا بقول الله تعالى:
"إنا سنلقي عليك قولًا ثقيلًا"، موضحًا أن هذا القول الثقيل هو القرآن الكريم والوحي الشريف، بثقله في ميزان الحق، وعظمته في شفاء القلوب.
كما استدل بقوله تعالى:
"وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين"، مبينًا أن القرآن ليس مجرد تلاوة، بل نور وهداية تطمئن القلوب، وتخرج الإنسان من ضيق النفس، وتعينه على مواجهة هموم الحياة ومصاعبها.
الاعتصام بالله طريق السكينة
واختتم الأبيدي حديثه بالتأكيد على أن التمسك بالقرآن، والاعتصام بالله، واللجوء إليه في أوقات الشدة، هي السبل الحقيقية لنيل الطمأنينة والسكينة، والنجاة من الإحباط واليأس.
فالقلب الذي يتصل بالله لا يعرف الانكسار، مهما اشتدت عليه الظروف، لأنه يعلم أن الله معه، وأن بعد العسر يسرًا، وبعد الحزن فرجًا.

