دبلوماسي أمريكي سابق: "قيادة موحدة لقوات المعارضة" حل للأزمة السورية
نشرت مجلة (فورين بوليسي) مقالا مطولا للسفير الأمريكي السابق في سوريا، روبرت فورد، رسم فيه خطة استراتيجية للخروج من الأزمة السورية الراهنة حيث تعاني جماعات المعارضة المعتدلة، بينما تنظيمات على غرار "داعش" و"جبهة النصرة" تكسب أرضا.
واستهل فورد مقاله بالتأكيد على أن "استراتيجية أمريكا الراهنة في سوريا غير مجدية، وأنه على الرغم من غارات التحالف على داعش، فلا يزال للتنظيم عمق استراتيجي في سوريا يتخذ منه رافدا لحملته بالعراق".
ونوّه عن أن "نظام الرئيس السوري بشار الأسد لا يحارب داعش؛ فهو مشغول بمكافحة المعارضة المعتدلة .. وأنه على الرغم من آمال واشنطن في حدوث انتقال سياسي وطني بعيدا عن الأسد، إلا أن وقف إطلاق النار يبدو أمرا بعيدا، وأبعد منه إبرام اتفاق سياسي شامل".
ورأى فورد أن "الأمريكيين والسوريين على السواء يحتاجون الآن أكثر من أي وقت مضى أن يسألوا أنفسهم عما فسد من أمور، وعما يمكن أن يتم إصلاحه من تلك الأمور".
وقال "يجب أن تتمحور الاستراتيجية الأمريكية حول استعادة الأرض من داعش، والإجهاز على شعبية نظام الأسد المتداعية، تمهيدا لتشكيل حكومة جديدة تحشد المزيد من السوريين ضد الجهاديين" .. وأكد فورد أن "دعم المعارضة السورية المعتدلة لا يزال مكونا أساسيا في تحقيق هذه الأهداف، لكن علينا وعليهم أن نضع استراتيجية وتكتيكات صحيحة".
وأضاف "يتعين على إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بذل جهود دبلوماسية وتقديم دعم حقيقي وإلا فلتبتعد عن سوريا.. إن مجرد الاستمرار في الاكتفاء بالتزويد بالفتات من الدعم والقليل من الرجال في الحرب لن يقضي على الجهاديين، ولن يكفي للوصول إلى المفاوضات السياسية التي لا تزال الإدارة الأمريكية تأمل في الوصول إليها".
وتابع فورد "كانت المساعدات المقدمة للمعارضة السورية المعتدلة بالغة الضآلة والضلال، وانقسمت جماعات المعارضة السورية على نحو سيء بين المانحين الأجانب ممن يُقتّرون في إعطاء المساعدة الماسّة لتلك الجماعات، وقد أوجد ذلك حلقة مفرغة، دفعت الجماعات المعتدلة إلى محاربة بعضها البعض وفي بعض الأحيان إلى التعاون مع جبهة النصرة، وقد أدى ذلك بدوره إلى تفريق المجموعات المُرتجى أن تتوّحد ذات يوم للتفاوض بشأن اتفاق، وهو ما يعني طول زمن حرب الاستنزاف الذي يصب في صالح تنظيم داعش".
ومضى "وبدلا من دعم مقاتلي جماعات المعارضة المعتدلة الموجودة بالفعل، قررت إدارة أوباما بناء قوة جديدة تماما، وبحسب التصورات الراهنة، فإن هذه الخطة ستكون بالغة الضآلة بالغة التأخر، وستكون وحدات القتال أصغر بكثير من قوات داعش الموجودة في سوريا .. إضافة إلى ذلك، ستزيد تلك الخطة من عُمْق الانشقاق بين صفوف المعارضة المعتدلة ولن تفعل شيئا يُذكر على صعيد التصدي لأكبر عوامل التجنيد التي يستخدمها تنظيم داعش: ألا وهي وحشية نظام الأسد".
وقال السفير السابق "إذا ما أرادت الإدارة الأمريكية مساعدة وحدات المعارضة المعتدلة في سوريا فإن عليها النظر في توسيع مدى الضربات الجوية في سوريا .. إن حماية هذه الوحدات الصغرى من غارات الأسد الجوية، حتى في شرق سوريا، سيتطلب فرض نوع من الحظر الجوي، وهي خطوة طالما امتنعت إدارة أوباما عن الإقدام عليها".
وأضاف فورد "إذا ما أقدمت إدارة أوباما على هذه الخطوة، فقد تُقْدم كذلك على التفاوض بشأن صفقة شاملة مع المعارضة السورية وحلفاء إقليميين لجلب جميع الأطراف إلى طاولة واحدة لوضع استراتيجية للنيل من تنظيم داعش وإنجاز تسوية سياسية سورية".
وتابع "هذه الصفقة الشاملة حيوية؛ ذلك أن زيادة المساعدات المادية لمقاتلي المعارضة المعتدلة في شمال وجنوب سوريا، حتى ولو بكميات ضخمة، لن يكون كافيا .. الحل هو وضع استراتيجية مُحكمة تستهدف بناء هيكل قيادي موّحد للمعارضة المعتدلة غير الجهادية".
ومضى "هذا الهيكل القيادي الموحد يجب أن يكون المصب الوحيد للمساعدات الخارجية، من أموال وأسلحة وتدريب .. ويجب أن يكون على رأس هذا الهيكل شخصية سورية تتمتع بدعم عريض بين صفوف السوريين المقاتلين على الأرض، وأن تحظى كذلك بقبول من الأطراف الخارجية .. على أن مَن ترفض الامتثال لأوامر القيادة الموحدة من الجماعات المقاتلة يتم حرمانها من المساعدة".
وأكد فورد "هذه هي الطريقة الوحيدة لإنهاء حالة التمزق التي طالما ضربت صفوف المعارضة المسلحة المعتدلة ولضمان أنها ستدعم أي تفاوض نهائي".
ورأى أن "المقاتلين السوريين، ولا سيما العرب السُنة، هم أفضل من يتصدى للمتطرفين من العرب السُنة في بلادهم وخير من يحدّ من جاذبية المتطرفين .. هذا يعني أن جماعات المعارضة الإسلامية من المحافظين -من غير المصرّين على فرْض دولة إسلامية بالقوة- قد تكون جزءا من الحل".
وقال إنه " يتعين على كل من أمريكا وتركيا البحث عن أرضية مشتركة في ظل الاستراتيجية المُحكمة؛ ويجب على تركيا أن تغلق ممرات التهريب عبر حدودها في وجه تنظيم داعش وجبهة النصرة، لأن تلك الممرات طالما كانت نافعة للغاية لأمثال هاتين الجماعتين".
وأضاف أنه "يتعين أن يكون الدعم الأمريكي الكبير للمعارضة السورية مشروطا بموافقة هذه المعارضة على البنود التالية:
أولا، أن يقتصر امتثال الجماعات المسلحة التي تتلقى دعما من القيادة المركزية المشكلة جديدا على تلك القيادة فقط.
ثانيا، أن تتوقف المعارضة المسلحة عن استنزاف قواها فيما بينها وبين بعضها من جانب، وبين الجماعات المدنية التي دعمت نظام الأسد من جانب آخر، وأن تتحمل قيادة المعارضة المسلحة مسؤولية قراراتها.
ثالثا، أن تقطع المعارضة المسلحة كافة علاقاتها مع جبهة النصرة.
رابعا، أن تتعهد قيادة المعارضة المسلحة بعدم التعرض للمسيحيين أو العَلويين أو غيرهما من الأقليات وأن تُظهر استعدادا للتفاوض بشأن ترتيبات أمنية محلية لحماية كافة السوريين.
خامسا، أن تظهر المعارضة المسلحة قابلية للتفاوض لإبرام اتفاق سياسي وطني يُنهي الصراع دونما المطالبة برحيل الأسد كاشتراط مُسبق.
سادسا، أن يضم أي ائتلاف سياسي يقود المعارضة المسلحة تمثيلا أصيلا لكافة الأقليات في سوريا، على ألا يأتي هذا التمثيل بالأساس من المهاجرين عن الوطن منذ فترة طويلة.
ونبه السفير السابق على أن ترجمة هذه الخطوات على أرض الواقع كفيلة بتشكيل قوة معارضة معتدلة قادرة على التصدي لداعش وجبهة النصرة، وتمهيد الطريق لمفاوضات سياسية وطنية حقيقية.
وحذر فورد من أنه إذا رفض شركاء أمريكا الإقليميون والمعارضة السورية هذه الاستراتيجية وتلك التكتيكات، أو امتنعت إدارة أوباما عن توسيع مستوى مساعدتها وحملتها الجوية، فإن على واشنطن عندئذ أن تُسقط من ذاكرتها هدف إضعاف جبهة داعش في سوريا على مدى الأعوام المقبلة.
وقال إنه "سيكون من الأفضل لمصداقية أمريكا أن تبتعد عن محاولة اتخاذ تدابير غير جادة في سوريا".
واختتم فورد بالقول: "بعد عامين من الخبرة، ينبغي علينا أن ندرك أن الأفعال المحدودة ليست كافية للتصدي للتهديدات الكبرى المنبعثة من سوريا .. إن شركاءنا الأجانب ينتظرون رؤية وقيادة أمريكية لمجابهة المتطرفين وتدشين مفاوضات ناجحة لحكومة وحدة سورية، كحلّ وحيد مستديم لخطر التطرف .. دعونا نقدم لهم هذه الرؤية".