عايز أعتصم مع نفسى

حقا لقد تغيرت مصر تغيرا جذريا وأصبح حق الاعتصام والاعتراض والرفض حقا مكفولا دستوريا ، وبحكم الثورة المصرية الطاهرة فى 25 يناير، بعد أن عانينا ولسنوات طويلة من القهر والاستبداد والخوف ، وكان الواحد منا فى الماضى لا يستطيع حتى ان يبدى اى نوع من أنواع ابداء الرأى أو الاعتراض على اقل الاشياء ، وكانت اشهر اغنياتنا موافقون موافقون .. ونتائج الانتخابات التى تظهر الاجماع بنسبة 99.999% هى النسبة المعتمدة والتى لا يعرف غيرها كمبيوتر وزارة الداخلية فى اى انتخابات أو استفتاءات تجرى فى مصر .. هكذا كان هو حالنا فى الماضى القريب ، وحتى قبل يوم 25 يناير بأيام قليلة.
الآن الوضع تغير ، وأصبح من حق أى مواطن مصرى ، ولد وعاش وشرب من نيل هذا الوطن ، أن يعلن عن اعتصامه .. واحتجاجه .. واضرابه ..واعتراضه ، واشياء اخرى تصاحب تلك الحالة أنا بالطبع لست معها ، بل إن على ارض مصر وبالقرب من جامعة الدول العربية بميدان التحرير هناك اعتصامات بحرينية وسورية وليبية ، تلك هى مصر الجديدة .
ولكن كل الذى يهمنى هنا هو أننى يمكننى الان ان اعلن اعتصامى ورفضى واعتراضى على أى شىء، لا يعجبنى ولا اريده، ولا أخشى من زوار الفجر ولا حتى الظهر أو العصر.
الان اصبح نسيم الحرية فى كل مكان وفى كل شبر على أرض هذا الوطن ، ولقد اطاحت الثورة بالعيون التى كانت تطاردنا وتراقبنا وتعد انفاسنا ، وتحبسها فى صدورنا ، وكنا من قبل وقبل أن يفكر الانسان فى أن يفعل أى شىء من تلك الاشياء التى تمارس يوميا الان مثل الخبز اليومى ، يذهب وراء الشمس ، وقد يكون ابناء جيلى اكثر الناس شعورا بتلك الحالة التى نعيشها الان..
فعندما اقرر الخروج فى مظاهرة أو اعلن الاعتصام سوف أمارس ذلك بحرية شديدة.
ولكنى عندما اقوم بذلك لابد وأن تكون لدي الحجج والمبررات المنطقية لذلك ، فلا يمكننى مثلا أن أستيقظ فى الصباح ، وأقرر بأننى اليوم سأعتصم أو أعترض أو أرفض ، دون أن يكون هناك هدف واضح ومحدد لقيامى بهذا الاعتصام أو تلك المظاهرة التى اريد القيام بها ، وعندما توافق حالتى مع حالات البعض ، نصبح مجموعة ، وتجد مظاهرة بدأت بشخص انضم اليه اشخاص وأصبحوا مئات ، وهكذا ظهرت لدينا بعض أشكال المظاهرات.
كل هذه الأجواء ذكرتنى بمفتتح ديوانى الأول " الدوران حول الرأس الفارغ " الصادر عن دار الحرية عام 1972 والتى أقول فيها .
ان لم تقدر
أن ترفض شيئا تكرهه
فانزع رأسك
وابحث عن رأس تحملها
كى تحيا حرا .. أبديا
فأنا
أبحث كل مساء عن وجهى
أو عن كفى
أخشى أن يأتينى يوما
أملك وجها لا أعرفه
أو املك كفا
تصنع أشياء
لا أرغبها
أو تمشى قدمى ارغاما
من أشباح الخوف المنزوعه فى عالمنا
ما أسوأ ان نحيا قتلى
لا عينا تنظر ما يجرى
أو كفنا تصنع احداثا .
الان يمكننى الرفض والاعتراض دون أن أقطع رأسى .. الان هى مصر الحرية .. مصر الجديدة.