الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سياسة ترامب الكارثية تضع العراق في مأزق.. الرئيس الأمريكي يراهن على مستقبل بلاد الرافدين بسبب إيران.. مسئولون عراقيون يحذرون: وجود واشنطن في بغداد يعزز نفوذ طهران

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

  • ترامب يراهن على مستقبل العراق للضرب في إيران
  • سياسة الرئيس الأمريكي الكارثية تهدد التقدم العراقي
  • مجلة أمريكية: سياسة ترامب في العراق حمقاء ومسئولون يحذرون: الوجود الأمريكي في بغداد مرفوض

فجر قائد القوات الأمريكية في العمليات ضد تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، الجنرال جوزيف فوتيل، مساء أمس الجمعة، مفاجأة من العيار الثقيل، معلنًا أنه لا يزال رافضًا وبشدة قرار الرئيس دونالد ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا، وقال في تصريحات لشبكة "سي.إن.إن" الأمريكية إن هناك ضرورة بأن يتمكن حلفاء واشطن سواء أكانوا بالعراق أو قوات سوريا الديمقراطية من مواجهة تنظيم "داعش" لافتا إلى أن القوات التي تدعمها أمريكا بسوريا ليس بمقدورها الوقوف بمفردها دون مساعدة.

جاء ذلك تزامنًا مع الخطاب المثير للجدل الذي ألقاه ترامب، مساء أمس، من أمام البيت الأبيض، والذي أعلن فيه حالة الطوارئ الأمريكية بهدف بناء الجدار الحدودي مع المكسيك، لكنه أصدر أيضًا إعلانًا هامًا جعل العالم في حالة ترقب، حيث قال إنه بصدد الإعلان عن قرارٍ هام حول الملف السوري، مؤكدًا أن الولايات المتحدة نجحت في القضاء على "داعش". 

ورغم أن زيارة وزير الدفاع الأمريكي بالوكالة، باتريك شاناهان الأخيرة إلى العراق، لم تؤدي رسالتها المرجو منها وهي الحرص على استقلال العراق، وهو ما جعل رئيس الوزراء العراقى عادل عبد المهدي، يعبث برسالة تحذير واضحة لكل من طهران وواشنطن على حد سواء، من أن بلاده لن تتحول إلى ساحة حرب بالوكالة بينهما، أو إعطاء الذرائع لأى منهما لتحقيق مكاسب على حساب سلامة ووحدة الأراضى العراقية.

مجلة "نيوزويك" الأمريكية نشرت تقريرًا بعنوان تسألت فيه عن إمكانية تحول إيران إلى عراق ترامب، مشيرةً إلى أن الرئيس الأمريكي كان غاضبًا عندما وجد أن مسئوليه الأمنيين يقوضون إحدى حملاته المفضلة ضد إيران، كما أنه واثنين من كبار المسئولين الأمنيين زعموا لمدة عامين بأن إيران تسعى للحصول على أسلحة نووية، ولذلك فهي تشكل خطرا قاتلا لجيرانها وللغرب.

تقول المجلة إن سياسة الرئيس الأمريكي إزاء إيران هي نفس السياسية التي انتهجها الرئيس الأسبق، جورج بوش الابن مع العراق، حيث صنفها بأنها جزء من "محور الشر" وأنها على وشك بناء سلاح سينتهي بسحابة نووية فوق الولايات المتحدة، وقام في 2003، بإرسال 200 ألف جندي ليبحثوا عن أسلحة العراق النووية والكيماوية والبيولوجية، التي أكتشفوا أنها غير موجودة، وما تبع ذلك من احتلال كارثي للعراق، لا يزال الشرق الأوسط يعاني من تداعياته.

ووصفت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية سياسة ترامب في العراق بأنها "غبية" و"حمقاء"، مستشهدة بتصريحاته الأخيرة مع شبكة "سي.بي.إس" الأمريكية، بأن الولايات المتحدة ستبقى على وجودها في قاعدة عسكرية بالعراق، ليس لمكافحة تنظيم "داعش" وإنما لمراقبة إيران.

ترى المجلة أن تعليقات ترامب "متهورة" وتعكس هوس "ضال" بإيران وتصور العراق على أنه ليس إلا بيدقًا في سياسة الولايات المتحدة ضد طهران، محذرة من أن سياسةٍ كتلك ستسمم علاقة واشنطن وبغداد التي لا تزال واحدة من أعمدة التأثير الأمريكي في منطقة تنتشر فيها بشراكات عاجزة وذات آثار عكسية.

إن العالم والمنطقة العربية لا يزالان حتى الآن متأثران بالغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وما تبعه من احتلال مهد الطريق لصعود التنظيمات الإرهابية والطائفية، وانتهاز إيران الفرصة لتعزيز نفوذها، ورغم العلاقة الصعبة لا تزال القيادة العراقية مفتوحة للتعاون الأمريكي الدبلوماسي والأمني.

وأشارت المجلة إلى أن الكثير من الرموز السياسية في العراق يأملون في أن تواصل الولايات المتحدة دعم جهود الحكومة العراقية لتحسين الأمن وبناء مؤسسات الدولة، معتبرين أن المساعدة الأمنية مهمة جدًا، بيد أن دولة بحجم الولايات المتحدة قادرة على تقديم صور فضائية دقيقة ترصد تحركات "داعش" وعودته من جديد. 

ويعتقد القادة العراقيون أن حكومة عبد المهدي قادرة من خلال مساعدة أمريكية في مجال مكافحة الإرهاب وجمع المعلومات الإستخباراتية، على هزيمة المتمردين وتستطيع في النهاية على تقوية مؤسساتها لحماية نفسها من تأثير واشنطن وطهران، إذ أنه منذ الإنسحاب الأمريكي عام 2011 وحكومة بغداد تحاول التحرك بحذر والحفاظ على علاقات صديقة مع كل من واشنطن وإيران وتجنب الإعتماد الكامل على أي منهما. 

ونقلت "فورين أفيرز" عن مسئول عراقي قوله: "الوجود العسكري الأمريكي في العراق مرفوض، فلو انسحبوا فجأة فستملأ إيران الفراغ".

حتى وقت قريب كانت معظم الطبقات السياسية العراقية بمن فيها التيار الصدري المعروف بخطابه المعادي للولايات المتحدة متفقة على ربط خروج الولايات المتحدة بخروج كل القوى الأجنبية، أي إيران. ويمكن للصدريين وغيرهم الحفاظ على هذا الموقف البراجماتي في حال توقفت الولايات المتحدة عن منح انطباع أن العراق هو جزء من التحالف الأمريكي ضد إيران والمحور المؤيد لإسرائيل.

من جانب آخر، يرى العراقيون المتعاطفون أن هناك اهتمامات مشتركة محدودة مع الولايات المتحدة، فهم يعتبرون أن بغداد بحاجة لقبول الدعم الذي تقدمه إيران التي قامت باستثمارات في الصناعات والبنية التحتية للسياحة، وأن إيران تعد الشريك التجاري الرئيسي لبغداد في مجال المواد الغذائية والغاز الطبيعي. 

وفي الوقت الذي يطالب فيه العراقيون بسياسة ناعمة من الولايات المتحدة فيما يتعلق بإيران قدم ترامب العكس، الأمر الذي جعل الرئيس العراقي برهم صالح يصف تصريحات الرئيس الأمريكي بـ "الغريبة"، داعيًا الشعب الأمريكي بعدم إثقال كاهل العراقيين بمشاكلهم. في حين ودعا التيار الصدري لقرار في البرلمان يدعو لطرد القوات الأمريكية من العراق. أما الميليشيات التي سلحتها ومولتها إيران مثل عصائب الحق فقد قالت إنها مستعدة لحمل السلاح ومواجهة الأمريكيين. 

وبحسب المجلة فإنه حتى لو كانت تصريحات تلك المجموعة مجرد تبجح معاد لواشنطن، فإن هذا التغير في النبرة مثير للقلق؛ بيد أن هناك أهمية قصوى لاحترام سيادة البلدان من أجل الحفاظ على الشراكة الأمنية والعسكرية. فالعراق مستعد لاستقبال عدد من الأرصدة الأمريكية وحتى غض الطرف عن نشاطات التجسس التي لا علاقة لها بمحاربة تنظيم "داعش"، في حين سيجد القادة العراقيون صعوبة في عمل هذا حالة ظلت الولايات المتحدة تتحدث عن بلدهم كقاعدة عسكرية لمراقبة إيران وحماية إسرائيل كما فعل ترامب.

إن الخطأ الكبير الذي يرتكبه ترامب في الشرق الأوسط مقلق جدًا، حيث إن العراق منفتح على تعاون مثمر في المجال الأمني والعسكري يميزه عن باقي شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، كما أنه يعتبر حاجزًا استراتيجيًا ضد النفوذ الإيراني. إلا أن تصريحات ترامب مع الشبكة الأمريكية أظهرت العكس، حيث قال إنه مع تخفيض التعاون وأن الولايات المتحدة يمكنها العودة في أي وقت.

وأكدت "فورين أفيرز" أن ترامب يرتكب هنا خطأ فادحًا وذلك الشراكات والبنى التحتية لا تبنى في ليلة وضحاها، فبعد الإنسحاب الأمريكي من العراق عام 2011 تراجع التعاون الأمني وهو ما سمح لـ"داعش" الانتقال إلى سوريا. وكان العراق غير مهيأ لمواجهة الموجة الجديدة من الجهاديين.

وبعد مرور العلاقة بدائرة من الإنفصال وما تبع ذلك من صدمة ثم تعاون جديد فالعراق والولايات المتحدة لديهما الكثير لخسارته لو انتهى التعاون، ذلك أنه يجب على القيادة السياسية العراقية أن تتعلم الدرس أيضًا حتى لو خدمهم الخطاب المعادي للولايات المتحدة على صعيد السياسة المحلية.

فقد كان العراق المكان الذي تم فيه تدمير النظام الإقليمي عام 2003 وهو بالضرورة المكان الذي يجب أن تتم منه معالجة ما بعد الصدمات، فإعادة التوازن عبر الدبلوماسية وهي أفضل طريقة لاستخدام القوة الأمريكية بدلا من الضغط على الحلفاء العراقيين وإجبارهم على تحويل البلد إلى ساحة للمنافسة الأمريكية- الإيرانية. وتحتاج عملية التوازن إلى تحقيق الإستقرار على السياق المحلي وتقوية الأمن.

ولفتت المجلة إلى أن هناك أهمية كبيرة للعراق بالنسبة لمستقبل الشرق الأوسط، ليس فقط لأنه يعتبر بمثابة "حجرًا لزاوية" الكثير من العلاقات الهامة سواء بين الولايات المتحة وإيران من جهة، أو بين إيران والعالم العربي من جهة أخرى، ناهيك عن أن المملكة العربية السعودية اتبعت نهجًا استراتيجيًا مع العراق، بعد أن أعادت علاقاتها معه وفتحت معبرا حدوديًا بنيهما كما اتخذت خطوات باتجاه التعاون الأمني والإقتصادي في المستقبل. 

إن العراق يواجه وضعًا أمنيًا ملتهبًا وفسادًا ومصاعب مزمنة لتوفير المواد الأساسية، فمشكلة توفر المياه الصحية أدت إلى تظاهرات واسعة في البصرة، ومن هنا يعول رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي على توفير الخدمات، وهو هدف قدمه على تحقيق الوحدة السياسية في حكومته، وبالتالي في ظل الأزمة التي تواجهها الحكومة هناك، تظل الفرصة الذهبية للولايات المتحدة بتقديم دعمًا ملموسًا للعراق. 

وعبر عبد المهدي عن استعداد للتعاون القريب مع الولايات المتحدة في مجال الطاقة، والاستفادة من الخبرات الأمريكية في مجال النفط، وهناك مستشارون يعملون مع العراقيين؛ بحثا عن وسائل لتوفير الطاقة لمحطات الطاقة اعتمادا على مصادر الغاز الطبيعي، وهناك مجالات أخرى تستعد الحكومة العراقية للتعاون فيها، مثل إعادة تشكيل وزارة الدفاع.


وخلصت المجلة إلى أن الولايات المتحدة قدمت دعمها بثمن قليل، ولم يكن العراق قادرًا على هزيمة "داعش" دون دعم أمريكي، لكن واشنطن لم تعد ما قدمته دينا طلبت مقابله تأثيرًا سياسيًا بعد ذلك، وفي المقابل حاولت إيران زيادة تأثيرها من خلال زيادة تأثير المليشيات المؤيدة لها في النظام السياسي العراقي.