الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رامي مالك من نفس شجرة زويل وصلاح


يا لك من وطن يدعو للفخر، ويا لك من بلد معطاء، ويا لك من شعب دائم المنْح، ويا لك رحم ولّاد، ففي اللحظة التاريخية التي لا يرضى عن أنفسهم فيها أبناء مصر، وفي الوقت الذين يهيلون على أنفسهم التراب اعتراضا على مساهمتهم – التي يرونها ضئيلة - في العطاء الإنساني، فإن الاندهاش يحاصرنا، فكيف لا يرضى المصريون عن إسهاماتهم الإنسانية، وقد خرج منهم، محمد عبده، وطه حسين وعباس محمود العقاد وأحمد شوقي ونجيب محفوظ وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، ومحمود الخطيب ومحمد رشوان، والبابا شنودة والشيخ الشعراوي، وغيرهم الكثير والكثير، وحاز ثلاثة من أبنائها على جائزة نوبل.

كيف لا يقنع المصريون بما يساهمون به في العطاء الإنساني، وهم من تخرج من جامعاتهم آلاف العلماء، فضلا عن ملايين المتخصصين في جميع المجالات؟!

إن عدم قناعة المصريين بما يقدمون يعكس كم يؤمن هذا الشعب بدوره الإنساني، وكم يؤمن بريادته التي لا يرضى عنها بديلا في كافة الأصعدة، ومختلف المجالات.

إنني أتأمل حالة الغضب وعدم الرضى عن مساهمة مصر بقوة شديدة في الرقي الحضاري، من زاوية أرى فيها عظمة هذه الأمة الممتدة في التاريخ والتي تؤمن بأنها للعالم قائدة، وأنها لا ترضى عن ذلك بديلا.

خرجت علينا بالأمس وسائل الإعلام العالمية لتبرز فوز المصري رامي مالك بجائزة أوسكار أفضل ممثل، وهو أول ممثل من أصول عربية يفوز بهذه الجائزة التي هي بالنسبة للسينما تعادل جائزة نوبل، حيث إنها الجائزة الأعلى والأهم في العالم.

أول ما يلفت الانتباه هو ما صرح به النجم المصري من اعتزازه بجذوره المصرية، وفخره بالانتماء لهذا البلد العظيم، وارتباطه بأسرته الصغيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ذكر فضلها بشموخ المصري المعتز بأهله، وأسرته الأكبر داخل مصر الذي لم ينس أن يذكرها.

والممثل العالمي رامي مالك بما عكسه، يعد امتدادا للظواهر المصرية في جميع المجالات، والذين يعتزون بمصريتهم اعتزازهم بتراب الوطن الذي لم تزل رائحته الزكية تملأ أنوفهم.

فما فعله رامي مالك هو ما يقوم به نجمنا الفذ محمد صلاح الذي يعكس صورة رائعة عن مصر، وعن الرياضي المصري، ليصبح قدوة ورمز ليس لشبابنا فحسب، بل لشباب العالم أجمع، وهو ما فعله قبلهما عالمنا الكبير الفذ الراحل الدكتور أحمد زويل الذي لم تغب عن ذهنه لحظة، فكان مهتما بها، مهموما بمشاكلها، متابعا لكل ما يدور فيها من تفاصيل.

لم يرحل زويل، فالرحيل غياب، ولن يغيب زويل، لأنه أعطى، ومن أعطى لن يغيب، لقد ترك إرثا للإنسانية، ترك علما، زانه خلق، خلَّف مثلا، ليس في العلم فحسب، بل في الوطنية، التي صُهِرت فيه انصهارا، ولم يكن هناك سبيل لانفصالها عنه.

ولقد وقفت بين يديه، في لقاء لنا به بالسفارة المصرية بفيينا، في العام ٢٠١٠، فبدأت كلامي بهذه الجملة: كنت قبلك "محفوظيُّ" الهوى - نسبة إلى نجيب محفوظ - فأصبحت محفوظيٌّ زويليُّ الهوى، وأكملت، قرأت في إحدى صحفنا القومية - بعد أن حاز أديبنا العالمي نجيب محفوظ على جائزة نوبل - لأحد كتابنا الكبار محللا يقول، إنه لو كان عالمنا المصري – وكان يقصد حضرتك - المقيم بالولايات المتحدة الأمريكية والذي رُشِّح أكثر من مرة لنيل الجائزة - هو من حصل على نوبل ما كانت الفرحة غمرتنا في مصر كما غمرتنا الآن بفوز محفوظ بها، معللا ذلك بقوله: إن محفوظ يمثل المصرية الخالصة، ولذا فالجائزة هنا خالصة لمصر، مُلَمِّحًا أنه لو حصل عليها زويل فكأني بها وقد شاركنا فيها غيرنا، وقلت لـ "زويل"، فلتعلم أيها العالم الكبير أن فرحتنا بحصولك على جائزة نوبل لم تَقِلّْ أبدا عن تلك التي غمرتنا بفوز أديبنا الكبير نجيب، لأننا لم نشعر يوما بانتمائك لغير مصر الذي ظهر جليا واضحا، في ذلك السلام الوطني الذي عُزِفَ أثناء تقليدك لجائزة نوبل، وتوجهت إليه بثلاثة أسئلة انهيتها بالاعتذار عن الإطالة، فإذا بإجابته قد بدأت بتعليق قال لي فيه: "بعد كل الكلام الحلو اللي قلته ده طَوِّلْ زي ما انت عايز"، منتقلا إلى الإجابة عن السؤال الأول الذي كان: هل تنوي – كما يشاع - الترشُّح لرئاسة الجمهورية؟ وكان الإخوان آنذاك يدفعون بأسماء رنانة على رأسها الدكتور زويل مدَّعين أنها تريد الترشح لرئاسة الجمهورية بهدف زعزعة حكم الرئيس الأسبق مبارك: فكانت إجابة الرجل العالم واضحة كل الوضوح ولا لبس فيها، حيث أكد أن مصر دولة ديمقراطية ومن حق كل إنسان يرى في نفسه القدرة على القيام بمهام هذا المنصب الرفيع أن يتقدم له وللشعب الرأي الأول والأخيرة في الإتيان به رئيسا، أو لا يمنحه تلك الثقة، أما عنه رغبته هو فأكد على الملأ أيضا أن ذلك لم يخطر بباله، وأن كل إنسان يستطيع أن يقدم كل ما لديه في تخصصه، ويفيد وطنه والبشرية بعطاءاته، وهو ما اختار له المجال العلمي سبيلا.

أما السؤال الثاني الخاص بنهضة مصر العلمية والتي كنت قد قلت أنا فيه: إن العلم تراكمي ولا نستطيع أن نختزل المسافات ولا الأزمان وعلينا أن نبدأ من حيث النقطة التي نحن فيها، فليس في العلم على حد فهمي قفزات!! منتهيا بهل تتفق معي في هذا الطرح؟ وكانت إجابة العالم الخلوق: ربما يكون عندك حق في ذلك، ولكن الفترة الأخيرة من العصر الحديث تسارعت فيها لدرجة كبيرة الاكتشافات العلمية، وهو ما يجعلنا نحقق في عشر سنوات مثلا ما كان لا يتحقق في مائة عام قبل ذلك، وأشار هنا إلى أن الأمر في حاجة إلى إرادة حقيقية من مؤسسات الدولة مرة، ومن المشتغلين في الحقل العلمي أخرى.

أما السؤال الثالث الذي خصصته لما أسميته آنذاك المؤسسة الدينية الموازية، وما يخرج عنها من فتاوى وأفكار، وهل ترى عالمنا الكبير ان لها دور في تخلفنا العلمي؟ فعاد بنا زويل إلى أيام دراسته في جامعة الإسكندرية، وكيف كان في ذلك الوقت المناخ صحي للبحث والتفكير، وتوقف الرجل على أنه لم يسمع في ذلك الوقت، مثلا، من يحرِّم سماع الأغاني التي كان يعشق منها أغاني أم كلثوم والذي كان يستثمر فرصة وجود أي طالب مصري من بين طلابه ليتحدث معه ويشرب معه "كوبا من الشاي" وهما يستمعان لصوت أم كلثوم، أكد زويل أن كثرة الفتاوى التي تنتشر اليوم إن عكست شيئا فإنما تعكس حالة من التيه يعيش فيه مجتمعنا، وأن الكثير من الأسئلة المطروحة ليست من جوهر الدين، كما أكد أن مثل ذلك بالطبع يعيق النهوض عموما.

هذا الحوار الذي دار بيني وبين العالم الفذ يعكس أن مواهبنا وعلماءنا ينبتون من شجرة واحدة مروية من ماء النيل العذب الذي هواه مصري، فيغرس عشق الوطن في وجدان أبناء هذا الوطن. يعتزون به، فنعتز ونفخر بهم، وكما كانت فرحتنا غامرة كما وصفنا للراحل الكبير بفوزه بجائزة نوبل، وكما كانت سعادتنا بالغة بفوز وتألق نجمنا محمد صلاح، فإن فخرنا وسعادتنا برامي مالك لا تقل عنهما، فلكل من يرفع اسم مصر سلام، ولكل من يزهو بمصريته التحية.

نود قبل أن نترك حضرة أفذاذ هذا الشعب أن نتوقف عند محاولة البعض التقليل من إنجاز ابن مصر مالك رامي، والذين انساقوا وراء إشارة للدور الذي لعبه وحصل به على أهم جائزة في العالم، تلك الإشارة التي ليست حقيقية، وحتى لو افترض جدلا أنها الحقيقة، فهذا لا يقلل من حجم الإنجاز المصري العالمي، والذي يحاول فريق هدام خدام لفكرة أو جماعة أن يسلب دائما من مصر كل ميزة. ذلك الذي نتمنى أن يدركه بعض المصريين الذين ينساقون خلفهم دون فحص واكتشاف مأربهم.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط