الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

القانون لكبح جماح الحرية


ليس هناك حرية مطلقة، ولو وجدت لأصبحت مفسدة مطلقة للعالم أجمع، فالحرية الحقيقية هي التي تحترم الضوابط التي يضعها المجتمع أو تسنها الدول في قوانين، يكون هدفها هو ضبط حركة المجتمع، والحفاظ على الدول، ويكون المقصود من سنها هو مصلحة الأغلب الأعم من الناس وليس فئة من الفئات أو جماعة من الجماعات.

يتباهى النمساويون كثيرا بكون بلدهم بلدا ديمقراطيا، ولعل تلك الجملة التي يمكن أن تُصْدَم بها وأنت تتناقش مع أحد النمساويين، هي: أنت تعيش في بلد حر، والتي يعقبها بجملة أخرى هي: النمسا دولة ديمقراطية، والصدمة هنا مما توحيه الجملة، في أننا جئنا من بلاد ليست حرة، ولا تتمتع بالديمقراطية، والصدمة التي أعنيها أن ذلك النمساوي يضع كل دول العالم الثالث في سلة واحدة في هذا النفي للحرية والديمقراطية، فلا يفرق بين ليبيا العقيد معمر القذافي ومصر التي بها مساحات عريضة جدا من الحرية والديمقراطية، وإن احتاجت للمزيد، ما في ذلك شك.

وبكل تأكيد هذه الصورة راجعة لما تبثه وسائل الإعلام التي تتعامل كثيرا مع ما يمكن أن يطلق عليها بلاد الجنوب المتوسطي بإجحاف شديد، حيث لا تبرز وسائل الإعلام تلك صورةً فيها إنصاف لما هو كائن في بلاد العالم الثالث على وجه العموم، والعالم العربي على وجه الخصوص، ومن هنا يترسخ في عقول أبناء النمسا وأوروبا أننا جئنا من عالم آخر أقرب إلى عالم العصور الوسطى في أوروبا.

وإن كانت تلك الصورة، كما قلنا، فيها بعض الجور، فإنها على الجانب الآخر بها بعض الحقيقة، حيث إن بلادنا تخطو بخطىً متثاقلة في طريق الديمقراطية الشاملة، والتي تحتاج إلى إنسانٍ قد حظىَ بتعليم جيد، غُرِسَ في أعماقه احترام القوانين مرة، واحترام حرية الآخرين مرة أخرى، هذا الذي لن يتأتى إلا من خلال وعي عام، يجب أن تشارك في تأسيسية وصنعه مؤسسات الدولة المعنية بهذا الشأن، والتي على رأسها وزارات التعليم والثقافة والإعلام، إضافة لدور المؤسسات الدينية التي يجب أن تعمل على غرس قيمة مفهوم احترام القانون بنفس حرصها على ترسيخ فكرة الحلال والحرام، حتى لا ندور في حلقة مفرغة، بين ما تعمل على تعميمه المؤسسات المدنية، والذي يمكن أن يذهب أدراج الرياح بفتوى " شيخ "! لا يحترم القوانين " الوضعية" كما يحلو لبعضهم القول وبين تلك المؤسسات الدينية.

في النمسا بلد الحريات، صدر قرار منذ عدة سنوات بمنع التدخين في الأماكن المغلقة، وتشجيعا من الدولة على ذلك منحت المقاهي والمطاعم التي كان يسمح فيها بالتدخين، بعض المزايا لتطبيق هذا القانون، وحرمت على الجانب الآخر من لا يطبق هذا القرار من بعض المزايا، واحتراما لما تصبو إليه الدولة من الحفاظ على الصحة العامة لأبنائها، استجابت أغلب المحلات الخاصة لذلك، وإن ظل القليل منها يسمح بالتدخين في كل المحل، أو خصص مكانا صغيرا لذلك.

ولأن الدولة مصممة على الحفاظ على الصحة العامة لأبنائها فقررت قرارا قاطعا بتعميم منع التدخين في كافة المحال ابتداء من العام 2018 - ذلك الذي خضع لنقاش مجتمعي ولم يصدر به قرار حيث كان هناك من لا يرى تعميم القرار في الأماكن لاعتبارات مختلفة - والذي كان ستلتزم به كافة الأماكن في النمسا، ومن نافلة القول أن النمسا كانت من بين أوائل الدول التي منعت التدخين في كل المصالح الحكومية والشركات الخاصة فضلا عن المواصلات العامة.

ولم نسمع هنا من يعارض تلك القرارات التي فيها صالح المجتمع النمساوي بذريعة أن هذا يتعارض مع ما يمكن أن يطلق عليه الحريات العامة أو الشخصية، تلك الكلمة التي اُبْتُذِلَتْ في ثقافتنا المصرية ابتذالا هائلا، ولم نجد المؤسسات المعنية بالثقافة، ولا الحريات ولا الصحة وقد شذَّ أحدها معارضا مثل هكذا قرار، بترديد شعارات رنانة، يمكن أن يطلق عليها حق يراد به باطل، متخذين من لفظة الحرية والديمقراطية معول هدمٍ للمجتمع، على نقيض حقيقتها والتي هي صنع مجتمع قادر على التقدم والرقي، والذي لن يتسنى له ذلك ومعظم أبنائه يعانون أمراضا، يكون للتدخين، والسلبي منه على وجه الخصوص، أكبر الأثر في تدهور صحة أبنائه.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط