الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نجيب محفوظ.. تعظيم سلام للوطن الذي أنجبك


الكتابة عن أمير الرواية العربية، نجيب محفوظ، متعة خاصة لا تدانيها متعة. فسيرة الرجل أشبه برواياته، عمل إنساني محكم صار بأشد قواعد الصرامة والالتزام.

حقق نجيب محفوظ، شهرة مصرية وعربية وعالمية مدوية بسبب رواياته وقصصه، التي جاءت آية في الإعجاز الأدبي، من خلال أعمال بالغة الدقة تعرف من خلالها العالم، على الحارة المصرية وشخوصها التي جاءت حقيقية وواقعية بشكل لم يسبق له مثيل.

ميزة نجيب محفوظ وعالميته، جاءت لأنه أول من أسس للرواية العربية الحديثة، فقبله لم تكن هناك رواية بالمصطلح الأدبي المتعارف عليه، ولم تكن هناك حبكات فنية فيها متعة غير مسبوقة، مثل أعماله ولكن شذرات أدبية لا تغني ولا تسمن من جوع، كما أن أعماله جاءت جادة تنبض بكل مشاكل المجتمع وقضاياه وأزمات أفراده.

ولا اعتقد أنه يوجد شخص في العالم العربي على امتداده، لا يعرف نجيب محفوظ، أو لا يعرف بعض أفلامه وقصص رواياته التي أصبحت تيمة خاصة في السينما المصرية والعالمية.

أحب نجيب محفوظ الرواية، وأعطاها جهده وعمره وركز عليها عمله، فجاءت عالمية انسانية، قرأت بالأمس وتقرأ اليوم وغدا.

وفي حياة نجيب محفوظ يمكننا التوقف أمام محطات عدة في حياة الرجل.

أولها من رواياته، التي تميزت بواقعيتها الشديدة وبنقدها لمشاكل المجتمع، واحساس السينما بهذه الأعمال فهرعت لتقديمها ولا تزال تنهل منها، ولا يزال الملايين يذكرون ويقرأون ويشاهدون القاهرة 30 المأخوذة عن روايته الأثيرة القاهرة الجديدة ورواياته خان الخليلي، وزقاق المدق، والسراب وبداية ونهاية وميرامار، والطريق، والسمان والخريف، والكرنك وثلاثية القاهرة الشهيرة، بين القصرين وقصر الشوق والسكرية والحرافيش.

وثانيها مع أزماته، وقد تمحورت أزمة نجيب محفوظ في موضعين اثنين، أولهما الرؤية الجنسية لبعض رواياته وانحراف شخصياتها الأدبية، فالجميع يتوقفون أمام الأعمال السينمائية التي حققت نجاحا باهرا ومنها الثلاثية الشهيرة، لكنهم يعترضون على بعض شخصياتها أمثال نزوات السيد أحمد عبد الجواد في الرواية، وولعه بالراقصات وحياته الملتزمة بالمنزل والمنفلتة خارجه. خصوصا وأن العظيم نجيب محفوظ، كان يرى أن من حق كتاب السيناريوهات لأعماله الأدبية، أن ياخذوا من الروايات ما يناسب حبكاتهم الفنية.

فالرواية كشكل أدبي ملكه ويسئل عنها، أما العمل الفني فهناك كثيرون يضعون وجهات نظرهم، صحيح أنه الأصل في العمل الفني، لكن الفن ابداع وقصصه الثرية كانت تسمح لمخرجين كثر بأن ينهلوا منها ما يناسبهم. فمنهم من يعجب بخط الخير والشر داخل الراوية، ومنهم من يعجب بالانحرافات الجنسية والأخلاقية لبعض الشخصيات، ويراها مدخل جذاب لجماهير السينما.

وأشهر من توقف وأبدع في أعمال نجيب محفوظ الأدبية المخرج الراحل حسن الإمام، الذي قدم روائع نجيب محفوظ على الشاشة الفضية بوجهة نظر خاصة جدا.

أما الأزمة الثانية، التي استمرت نحو قرابة 4 عقود تطارده، فهى كتابته لروايته المثيرة للجدل "أولاد حارتنا" وقد صنفت الرواية تصنيفا مثيرًا، واعتبرها البعض هرطقة وتجديفا واعتداء على سيرة أنبياء الله وتعريضا بالذات الإلهية.

لكن القضية التي لم يفهمها منتقديه، أن نجيب محفوظ لا يسئل عن التفسيرات الدينية لأعماله الأدبية، ولا يحاكم على نواياه التي كانت وراء كتابته الراوية، هى شخصيات فنية رسم حبكتها على الورق وخرجت في شكل عمل روائي.

لكن مع هذا، وانا هنا في حضرة نجيب محفوظ، وباعتزازي الكامل بأعمال هذا الرجل وعشقي لكل أعماله الأدبية ورؤاه الفنية، أسجل موقفي الخاص من "أولاد حارتنا"، وأراها عمل فني منحرف ان جاز هذا الوصف، وليس في متعة وروعة باقي أعماله الأدبية، وأرى أن منتقديه كان عندهم بعض الحق في نقده، وقد يكون الكتاب والنقاد الذين أهالوا الانتقادات لأولاد حارتنا على بعض الحق في الهجوم على الرواية الضخمة. وخصوصا اذا خرجوا عن التفسيرات الفنية الى التفسيرات الدينية الأخرى، وطابقوا الشخصيات الفنية في العمل بسيرة بعض أنبياء الله – رغم القداسة له- في هذه الحالة سنختلف جميعنا.

لكنى ارفض تمامًا، واكرر أرفض تمامًا أن تقابل الكلمة بالرصاص، وان يظهر مجرمون، يتلفحون برداء الأخلاق والغيرة الدينية، وينتقدون كاتب ما بسبب عمل أو اثنين له، فيكون جزائه وفق حكمهم، إهدار دمه..

هنا يتحول الخلاف الأدبي والفكري، إلى جريمة إرهابية مروعة مرفوضة في كافة الديانات السماوية، وهو ما حدث وللأسف الشديد، مع العظيم نجيب محفوظ، عندما طعن بغدر من قبل شابين، حكما بكفره وتعرضا له وكانا هدفهما قتله لولا عناية الله به.

وهنا من الظلم الشديد حصر أعمال وروائع نجيب محفوظ عند " أولاد حارتنا" أو اختصار تاريخه الأدبي في هذا العمل، والذي ظل رافضًا طباعته في مصر حتى وفاته.

كما أن من الإجحاف وفق بعض الرؤى القاصرة، أن يدعي بعض المغرضين أن نجيب محفوظ نال جائزة نوبل في الآداب بسبب رواية "أولاد حارتنا"، هذا طبعا كذب واجحاف، نالها الرائع العظيم نجيب محفوظ عن أكثر من 50 عمل روائي وقصصي سطرت تاريخا رائعا ومؤسسا في الأدب المصري الحديث.

فنجيب محفوظ، واحدًا من رواد النهضة الأدبية الحديثة، وستظل رواياته قطع فنيه باهرة، مليئة بنوازع النفس الانسانية والخير والشر، وأفضل ما عكست حياة القاهرة خلال ما يزيد على 75 سنة كاملة..

وبعد هل مقال واحد يكفي نجيب محفوظ؟

الاجابة على لسانكم انتم أعزائي، قبل أن تكون على لساني ولا ألف مقال عن هذا العظيم، الذي سطر اسمه في واحدة الخالدين بأدب صادق ورؤى فنية وأدبية آسرة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط